تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٦١
الله سبحانه وينطوى وقتئذ بساط الكفر والفسوق ويصفو العيش ويرتفع امراض القلوب ووساوس الصدور وقد تقدم تفصيل ذلك في مباحث النبوة في الجزء الثاني وفي قصص نوح في الجزء العاشر من الكتاب قال تعالى: " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " الروم: 41 وقال:
" ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون " الأنبياء: 105.
ومن ذلك يظهر ان الذي استندوا إليه من الحجة انما يدل على كون يوم الوقت المعلوم الذي جعله الله غاية انظار إبليس هو يوم يصلح الله سبحانه المجتمع الانساني فينقطع دابر الفساد ولا يعبد يومئذ الا الله لا يوم يموت الخلائق بالنفخة الأولى.
قوله تعالى: " قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين " الباء في قوله بما أغويتني للسببية وما مصدرية أي أتسبب باغوائك إياي إلى التزيين لهم والقى إليهم ما استقر في من الغواية كما قالوا يوم القيامة على ما حكى الله: " أغويناهم كما غوينا " القصص: 63.
وقول بعضهم ان الباء للقسم أي أقسم باغوائك لأزينن من أردء القول فلم يعهد في كتاب ولا سنة أن يقسم بمثل الاغواء والاضلال وليس فيه شئ مفهوم من التعظيم اللازم في القسم.
وقد نسب لعنه الله في قوله بما أغويتني إلى الله سبحانه انه أغواه ولم يرده الله سبحانه إليه ولا أجاب عنه وليس مراده به غوايته إذ عصى أمر السجدة ولم يسجد لآدم عليه السلام والدليل على ذلك أن لا رابطة بين معصيته في نفسه وبين معصية الانسان لربه حتى يكون معصيته سبب معصيتهم ويتسبب هو بها إلى إغوائهم.
وانما يريد به ما يفيده قوله تعالى: " وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين من استقرار اللعنة المطلقة فيه وهى الابعاد من الرحمة والاضلال عن طريق السعادة وهى اغواء له اثر الغواية التي ابداها من نفسه واتى بها من عنده فيكون من اضلاله تعالى مجازاة لا اضلالا ابتدائيا وهو جائز غير ممتنع عليه تعالى ولذلك لم يرده كما قال تعالى:
" يضل به كثيرا ويهدى به كثيرا وما يضل به الا الفاسقين " البقرة: 26 وقد بينا
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»
الفهرست