من اتبعه بغوايته أي ان الانسان يتبعه بغوايته اولا فيغويه هو ثانيا فهناك غواية بعدها اغواء والغواية اجرام من الانسان والاغواء بسبب إبليس مجازاة من الله سبحانه.
ولو كان هذا الاغواء اغواء ابتدائيا من إبليس لمن لا يستحق ذلك لكان هو الأليق باللوم دون الانسان كما يذكره يوم القيامة على ما يحكيه سبحانه بقوله: " وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم " إبراهيم: 22 فاللوم على الانسان المجرم وهو مسؤول عن معصيته دون إبليس.
نعم إبليس ملوم على ما يتلبس به من الفعل بسوء اختياره وهو الاغواء الذي سلطه الله عليه مجازاة لما امتنع من السجود لآدم لما أمر به فالاغواء هو الذي استقرت ولايته عليه كما يشير سبحانه إليه في موضع آخر من كلامه إذ يقول: " إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون " الأعراف: 27 وقال تعالى وهو أوضح ما يؤيد جميع ما قدمناه: " كتب عليه انه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير " الحج: 4.
وقد تحصل مما تقدم ان المراد بقوله عبادي عامة الانسان وان الاستثناء في قوله من اتبعك متصل لا منقطع وان من في قوله من الغاوين بيانية وان الكلام مبنى على رد قول إبليس وان الآية مشتملة على قضاءين من الله سبحانه في عقدي المستثنى والمستثنى منه وغير ذلك.
ومن ذلك يظهر عدم استقامة قول بعضهم ان المراد بعبادي هم الذين استثناهم إبليس وعبر عنهم بقوله عبادك منهم فيكون الاستثناء منقطعا والكلام مسوقا لتقرير قول إبليس ان له سلطانا على من يغويه وان المخلصين لا سبيل له إليهم والمعنى إن المخلصين لا سلطان لك عليهم لكنك مسلط على من اتبعك من الغاوين.
وأنت تعلم بالتأمل فيما تقدم ان هذا هدم لأساس السياق وما يعطيه مقام المخاصمة وتحق نسبته إلى ساحة العزة والكبرياء وتنزيل خطابه تعالى منزلة لا يفيد معها أكثر من تغيير صورة كلام إبليس مع حفظ معناه تقريرا أو اعترافا فهو يقول سأغويهم إلا المخلصين والله سبحانه يقول لا تغوي المخلصين لكن تغوي غيرهم.
وربما فسر بعضهم قوله عبادي بجميع البشر واخذ مع ذلك الاستثناء