ذلك في ذيل الآية ومواضع أخرى من هذا الكتاب.
وعند هذا يستقيم معنى السببية أعني إغواؤه الناس بسبب الاغواء الذي مسه واستقر فيه فان البعد من الرحمة والبون من السعادة لما كان لازما لنفسه بلزوم اللعنة الإلهية له كان كلما اقترب من قلب انسان بالوسوسة والتسويل أو استولى على نفس من النفوس وهو بعيد من الرحمة والسعادة أوجب ذلك بعد من اقترب منه أو تسلط عليه وهو إغواؤه بالقاء اثر الغواية التي عنده إليه وهو ظاهر.
هذا ما يعطيه التدبر في الآية ومحصله إن المراد بالاغواء ليس هو الاضلال الابتدائي بل الاضلال على سبيل المجازاة الذي يدل عليه قوله وان عليك لعنتي الآية.
واما القوم فكالمسلم عندهم ان قوله بما أغويتني لو كان بمعناه الظاهر وهو الاضلال لكان هو الاضلال الابتدائي وكان ناظرا إلى ابائه وامتناعه عن السجدة ولذا استشكلوا الآية واختلفوا في تفسير الاغواء على اختلاف مذاهبهم في استناد الشر إليه تعالى وصدوره منه جوازا وامتناعا.
فقال بعضهم وهم أهل الجبر إن اسناد الاغواء إليه تعالى بلا انكار منه لذلك يدل على أن الشر كالخير من الله تعالى والمعنى رب بما أضللتني بالامتناع عن السجدة فهو منك أقسم لأضلنهم أجمعين.
وقال آخرون وهم غيرهم انه لا يجوز استناد الشر والمعصية وكل قبيح إليه تعالى ووجهوا الآية بوجوه.
أحدها ان الاغواء في الآية بمعنى التخييب والمعنى رب بما خيبتني من رحمتك لأخيبنهم بالدعوة إلى معصيتك.
الثاني ان المراد بالاغواء الاضلال عن طريق الجنة والمعنى بما أضللتني عن طريق جنتك لما صدر منى من معصيتك لأضلنهم بالدعوة.
الثالث ان المراد بقوله بما أغويتني بما كلفتني أمرا ضللت عنده بالمعصية وهو السجود فسمى ذلك اضلالا منه له توسعا وأنت بالتأمل فيما قدمناه تعرف ان الآية في غنى عن هذا البحث وما أبدئ فيه من الوجوه.