تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٦٧
باطلة وانما هو عن قضاء من الله وسلطان بتسليطه وانما ملكه اغواء من اتبعه وكان غاويا في نفسه وبسوء اختياره فلم يأت إبليس بشئ من نفسه ولم يفسد أمرا على ربه لا في اغوائه أهل الغواية فإنه بقضاء من الله سبحانه ان يستقر لأهل الغواية غيهم بسببه وقد اعترف لعنه الله بذلك بعض الاعتراف بقوله رب بما أغويتني ولا في استثنائه المخلصين فإنه أيضا بقضاء من الله نافذ فلا حكم الا لله.
وهذا الذي تفيده الآية الكريمة أعني تسليط إبليس على اغواء الغاوين الذين هم في أنفسهم غاوون وتخليص المخلصين وهم مخلصون في أنفسهم من كيده كل ذلك بقضاء من الله مبنى على أصل عظيم يفيده التوحيد القرآني المفاد بأمثال قوله تعالى: " إن الحكم الا لله " يوسف: 67 وقوله: " وهو الله لا اله الا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم " القصص: 70 وقوله: " الحق من ربك " آل عمران: 60 وقوله: " ويحق الله الحق بكلماته " يونس: 82 وغير ذلك من الآيات الدالة على إن كل حكم ايجابي أو سلبى فهو مملوك لله نافذ بقضائه.
ومن هنا يظهر ما في تفسيرهم قوله الا من اتبعك من الغاوين من المسامحة فإنهم قالوا انه إذا قبل من إبليس واتبعه صار له سلطان عليه بعدوله عن الهدى إلى ما يدعوه إليه من الغى وظاهره انه سلطان قهري يحصل لإبليس عن سوء اختيارهم ليس من عند نفسه ولا بجعل من الله سبحانه.
وجه الفساد ان فيه اخذ الاستقلال والحول الذاتي من إبليس واعطاؤه ذوات الأشياء ولو كان إبليس لا يملك شيئا من عند نفسه وبغير اذن ربه فالاشياء والأمور أيضا لا تملك لنفسها شيئا ولا حكما حتى الضروريات ولوازم الذوات الا باذن من الله وتمليك فافهمه.
والثالثة إن سلطانه على اغواء من يغويه وان كان بجعل وتسليط من الله سبحانه إلا أنه ليس بتسليط على الاغواء والاضلال الابتدائي غير الجائز اسناده إلى ساحته سبحانه بل تسليط على الاغواء بنحو المجازاة المسبوق بغوايتهم من عندهم وفي أنفسهم.
والدليل على ذلك قوله تعالى: " الا من اتبعك من الغاوين " فإبليس انما يغوي
(١٦٧)
مفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»
الفهرست