تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٦٥
الآية ظرفا لتزيينه واغوائه فما كان غروره لادم وزوجته في الجنة إلا ليخرجهما منها وينزلهما إلى الأرض فيتناسلا فيها فيغويهما وبنيهما عن الحق ويضلهم عن الصراط قال تعالى: " يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما اخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما " الأعراف: 27.
وقوله إلا عبادك منهم المخلصين استثنى من عموم الاغواء طائفة خاصة من البشر وهم المخلصون بفتح اللام على القراءة المشهورة والسياق يشهد انهم الذين أخلصوا لله وما أخلصهم الا الله سبحانه وقد قدمنا في الكلام على الاخلاص في تفسير سورة يوسف إن المخلصين هم الذين أخلصهم الله لنفسه بعد ما أخلصوا أنفسهم لله فليس لغيره سبحانه فيهم شركة ولا في قلوبهم محل فلا يشتغلون بغيره تعالى فما ألقاه إليهم الشيطان من حبائله وتزييناته عاد ذكرا لله مقربا إليه.
ومن هنا يترجح ان الاستثناء انما هو من الاغواء فقط لا منه ومن التزيين بمعنى انه لعنه الله يزين للكل لكن لا يغوي إلا غير المخلصين.
ويستفاد من استثناء العباد اولا ثم تفسيره بالمخلصين ان حق العبودية انما هو بأن يخلص الله العبد لنفسه أي ان لا يملكه إلا هو ويرجع إلى أن لا يرى الانسان لنفسه ملكا وانه لا يملك نفسه ولا شيئا من صفات نفسه وآثارها واعمالها وان الملك بكسر الميم وضمها لله وحده.
وقوله تعالى: " قال هذا صراط على مستقيم " ظاهر الكلام على ما يعطيه السياق انه كناية على أن الامر إليه تعالى لا غنى فيه عنه بوجه كما أن كون طريق السفينة على البحر يقضى على راكبيها بأن لا مفر لهم مما يستدعيه العبور على الماء من العدة والوسيلة وكذا كون طريق القافلة على الجبل يحوجهم إلى ما يتهيأ به لعبور قلله الشاهقة ومسالكه الصعبة فكونه صراطا عليه تعالى بالاستقامة هو انه أمر متوقف من كل جهة إلى حكمه وقضائه تعالى فإنه الله الذي منه يبدأ كل شئ واليه ينتهى فلا يتحقق أمر إلا وهو ربه القيوم عليه.
وظاهر السياق أيضا ان الإشارة بقوله هذا صراط الخ إلى قول إبليس " لأغوينهم أجمعين الا عبادك منهم المخلصين " لما أظهر بقوله هذا انه سينتقم منهم
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»
الفهرست