ونظير هذا البحث بحثهم عن الانظار الواقع في قوله انك من المنظرين من جهة انه مفض إلى الاغواء القبيح وترجيح للمرجوح على الراجح.
فقال المجوزون ان الآية تدل على أن الحسن والقبح اللذين يعلل بهما العقل أفعالنا لا تأثير لهما في أفعاله تعالى فله ان يثيب من يشاء ويعذب من يشاء من غير جهة مرجحة حتى مع رجحان الخلاف قالوا ومن زعم أن حكيما يحصر قوما في دار ويرسل فيها النار العظيمة والأفاعي القاتلة الكثيرة ولم يرد اذى أحد من أولئك القوم بالاحراق واللسع فقد خرج عن الفطرة الانسانية فاذن من حكم الفطرة إن الله تعالى أراد بانظار إبليس اضلال بعض الناس.
والمانعون يوجهون الانظار بأنه تعالى كان يعلم من إبليس واتباعه انهم يموتون على الكفر والفسوق ويصيرون إلى النار انظر إبليس أو لم ينظر على أنه تعالى تدارك تأييده ذلك بمزيد ثواب المؤمنين المتقين على أنه يقول ولأغوينهم ولو كان الاغواء من الله لا نكره عليه إلى غير ذلك مما اوردوه من الوجوه وليت شعري ما الذي أغفلهم عن آيات الامتحان والابتلاء على كثرتها كقوله تعالى: " ليميز الله الخبيث من الطيب " الأنفال: 37 وقوله: " وليبتلى الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم " آل عمران: 154 وغيرهما من الآيات الدالة على إن نظام السعادة والشقاء والثواب والعقاب مبنى على أساس الامتحان والابتلاء والانسان واقع بين الخير والشر والسعادة والشقاء له ما يختاره من العمل بنتائجه.
فلو لا ان يكون هناك داع إلى الخير وهم الملائكة الكرام وان شئت فقل هو الله وداع إلى الشر وهم إبليس وقبيله لم يكن للامتحان معنى قال تعالى: " الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا " البقرة: 268.
ولئن أيد الله إبليس على الانسان بالانظار إلى يوم الوقت المعلوم فقد أيده عليه بالملائكة الباقين ببقاء الدنيا ولم يقل سبحانه له انك منظر بل قال إنك من المنظرين فأثبت منظرين غيره وجعله بعضهم.
ولئن أيده بالتمكين بتزيين الباطل من الكفر والفسوق للانسان أيد الانسان بأن هداه إلى الحق وزين الايمان في قلبه وفطره على التوحيد وعرفه الفجور