تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٥٤
الامر وهذه العناية مما لا يستقيم في مثل المقام الذي يخاطب فيه الملائكة في اخبارهم بإرادته خلق آدم عليه السلام وأمرهم بالسجود له إذا سواه ونفخ فيه من روحه فافهم ذلك ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " التسوية جعل الشئ مستويا قيما على امره بحيث يكون كل جزء منه على ما ينبغي أن يكون عليه فتسوية الانسان ان يكون كل عضو من أعضائه في موضع الذي ينبغي ان يكون فيه وعلى الحال التي ينبغي ان يكون عليها.
ولا يبعد ان يستفاد من قوله انى خالق فإذا سويته ان خلق بدن الانسان الأول كان على سبيل التدريج الزماني فكان اولا الخلق وهو جمع الاجزاء ثم التسوية وهو تنظيم الاجزاء ووضع كل جزء في موضعه الذي يليق به وعلى الحال التي تليق به ثم النفخ ولا ينافيه ما في قوله تعالى: " خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون " آل عمران: 59 فان قوله ثم قال له الخ ناظر إلى كينونة الروح وهو النفس الانسانية دون البدن كما عبر عنه في موضع آخر بعد بيان خلق البدن بالتدريج بقوله: " ثم أنشأناه خلقا آخر " المؤمنون: 14.
وقوله: " ونفخت فيه من روحي " النفخ ادخال الهواء في داخل الأجسام بفم أو غيره ويكنى به عن القاء اثر أو أمر غير محسوس في شئ ويعنى به في الآية ايجاده تعالى الروح الانساني بما له من الرابطة والتعلق بالبدن وليس بداخل فيه دخول الهواء في الجسم المنفوخ فيه كما يشير إليه قوله سبحانه: " ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر " المؤمنون: 14 وقوله تعالى: " قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم " ألم السجدة: 11.
فالآية الأولى كما ترى تبين ان الروح الانساني هو البدن منشأ خلقا آخر والبدن على حاله من غير أن يزاد فيه شئ والآية الثانية تبين ان الروح عند الموت مأخوذ من البدن والبدن على حاله من غير أن ينقص منه شئ.
فالروح أمر موجود في نفسه له نوع اتحاد بالبدن بتعلقه به وله استقلال عن البدن إذا انقطع تعلقه به وفارقه وقد تقدم بعض ما يتعلق من الكلام بهذا المقام في
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست