تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٦٠
بيانه اغراء بالمعصية كلام خال عن الدليل فابهام اللفظ بالنسبة إلينا غير ابهام ما القى إلى إبليس من القول بالنسبة إليه على أن اغراء إبليس بالمعصية وهو الأصل لكل معصية مفروضة لا يخلو عن اشكال فافهمه.
على أن قول إبليس ثانيا لأغوينهم أجمعين شاهد على أنه سيبقى إلى آخر ما يعيش الانسان في الدنيا ممن يمكنه اغواؤه فقد كان فهم من قوله تعالى إلى يوم الوقت المعلوم انه آخر عمر البشر العائشين في الأرض الجائز له اغواؤهم.
ونسب إلى ابن عباس ومال إليه الجمهور إن اليوم هو آخر أيام التكليف وهو النفخة الأولى يوم يموت الخلائق وكأنه مبنى على إن إبليس باق ما بقى التكليف وأمكنت المخالفة والمعصية وهو مدة عمر الانسان في الدنيا وينتهى ذلك إلى النفخة الأولى التي بها يموت الخلائق فهو يوم الوقت المعلوم الذي أنظره الله إليه وبينه وبين النفخة الثانية التي فيها يبعثون أربعمائة سنة أو أربعون سنة على اختلاف الروايات وهى ما به التفاوت بين ما سأله إبليس وبين ما أجاب إليه الله سبحانه.
وهذا وجه حسن لولا ما فيه من قولهم ان إبليس باق ما بقى التكليف وأمكنت المخالفة والمعصية فإنها مقدمة لا بينة ولا مبينة وذلك أن تعويل القوم في ذلك على المستفاد من الآيات والاخبار كون كل كفر وفسوق موجود في النوع الانساني مستندا إلى اغواء إبليس ووسوسته كما يدل عليه أمثال قوله تعالى: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " يس: 60 وقوله: " وقال الشيطان لما قضى الامر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم " الخ إلى غير ذلك من الآيات ومقتضاها أن يدوم وجود إبليس ما دام التكليف باقيا والتكليف باق ما بقى الانسان وهو المطلوب.
وفيه ان كون المعصية الانسانية مستندة بالجملة إلى اغواء إبليس مستفادة من الآيات والروايات لا غبار عليه لكنه انما يقتضى بقاء إبليس ما دامت المعصية والغواية باقية لا بقائه ما دام التكليف باقيا ولا دليل على الملازمة بين المعصية والتكليف وجودا.
بل الحجة قائمة من العقل والنقل على إن غاية الانسان النوعية وهى السعادة ستعم النوع ويتخلص المجتمع الانساني إلى الخير والصلاح ولا يعبد على الأرض يومئذ الا
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»
الفهرست