تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٥٨
الدعاء لا مفر له من دعوته تعالى بما يثير به الرحمة الإلهية المطلقة وهو الالتجاء إليه بربوبيته له ليستجيب له وهو مغضوب عليه.
وقد صدر مسألته بفاء التفريع في قوله فانظرني وذكر فيه بعثة عامة البشر من غير أن يخص بالذكر آدم أباهم الذي ابتلى بالرجم واللعن من اجل الاباء عن السجود له وذلك كله مبنى على ما تقدم في تفسير آيات القصة في سورة الأعراف ان المأمور به كان هو السجود لعامة البشر وكان آدم عليه السلام كالقبلة المنصوبة للسجود يمثل به النوع الانساني.
وتوضيحه انه قد تقدم في قوله تعالى: " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا إبليس " الأعراف 11 إنهم انما أمروا بالسجدة لنوع الانسان لا لشخص آدم عليه السلام ولم يكن هذه السجدة تشريفا اجتماعيا من غير غاية حقيقية بل كانت خضوعا بحسب الخلقة فهم بحسب ما أريد من خلقتهم خاضعون للانسان بحسب ما أريد من كمال خلقته أي إنهم مسخرون لأجله عاملون في سبيل سعادة حياته أي ان للانسان منزلة من القرب ومرحلة من كمال السعادة تفوق ما للملائكة من ذلك.
فسجودهم جميعا له دليل انهم جميعا مسخرون في سبيل كماله من السعادة عاملون لأجل فوزه وفلاحه كملائكة الحياة وملائكة الموت وملائكة الأرزاق وملائكة الوحي والمعقبات والحفظة والكتبة وغيرهم ممن تذكرهم متفرقات الآيات القرآنية فالملائكة أسباب الهية وأعوان للانسان في سبيل سعادته وكما له ومن هنا يظهر للمتدبر الفطن إن إباء إبليس عن السجدة استنكاف منه عن الخضوع لنوع الانسان والعمل في سبيل سعادته واعانته على كماله المطلوب على خلاف ما ظهر من الملائكة فهو بإبائه عن السجدة خرج من جمع الملائكة كما يفيده قوله تعالى: " ما لك أن لا تكون مع الساجدين " واظهر الخصومة لنوع الانسان والبراءة منهم ما حيوا وعاشوا أو خالدا مؤبدا.
ويؤيده جعله تعالى اللعنة المطلقة عليه من يوم أبى إلى يوم الدين وهو مدة مكث النوع الانساني في هذه الدنيا فجعلها عليه كذلك ولما يدع إبليس انه سيغويهم ولم يقل
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست