تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ٢٤٨
والمراد وقد أحسن بي من بعد أن أفسد الشيطان بيني وبين اخوتى فكان من الامر ما كان فأدى ذلك إلى فراق بيني وبينكم فساقني ربى إلى مصر فأقرني في أرغد عيش وارفع عزة وملك ثم قرب بيننا بنقلكم من البادية إلي في دار المدنية والحضارة.
يعنى انه كانت نوائب نزلت بي اثر افساد الشيطان بيني وبين اخوتى ومما أخصه بالذكر من بينها فراق بيني وبينكم ثم رزية السجن فاحسن بي ربى ودفعها عنى واحدة بعد أخرى ولم يكن من المحن والحوادث العادية بل رزايا صماء وعقودا لا تنحل لكن ربى نفذ فيها بلطفه ونفوذ قدرته فبدلها أسباب حياة ونعمة بعد ما كانت أسباب هلاك وشقاء ولهذه الثلاثة الا خيرة عقب قوله " وقد أحسن بي " الخ بقوله ان ربى لطيف لما يشاء.
فقوله ان ربى لطيف لما يشاء تعليل لا خراجه من السجن ومجيئهم من البدو ويشير به إلى ما خصه الله به من العناية والمنة وان البلايا التي أحاطت به لم تكن لتنحل عقدتها أو لتنحرف عن مجراها لكن الله لطيف لما يشاء نفذ فيها فجعل عوامل الشدة عوامل رخاء وراحة وأسباب الذلة والرقية وسائل عزة وملك.
واللطيف من أسمائه تعالى يدل على حضوره واحاطته تعالى بما لا سبيل إلى الحضور فيه والاحاطة به من باطن الأشياء وهو من فروع احاطته تعالى بنفوذ القدرة والعلم قال تعالى: " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " الملك: 14 والأصل في معناه الصغر والدقة والنفوذ يقال لطف الشئ بالضم يلطف لطافة إذا صغر ودق حتى نفذ في المجاري والثقب الصغار ويكنى به عن الارفاق والملاءمة والاسم اللطف.
وقوله " وهو العليم الحكيم تعليل لجميع ما تقدم من قوله " يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا " الخ وقد علل (ع) الكلام وختمه بهذين الاسمين محاذاة لأبيه حيث تكلم في رؤياه وقال " وكذلك يجتبيك ربك إلى أن قال إن ربك عليم حكيم " وليس يبعد ان يفيد اللام في قوله العليم الحكيم معنى العهد فيفيد تصديقه لقول أبيه (ع) والمعنى وهو ذاك العليم الحكيم الذي وصفته لي يوم أولت رؤياي.
قوله تعالى: " رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث " إلى آخر
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»
الفهرست