تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١١ - الصفحة ١٥٤
أيديهن ثم ينسللن انسلالا ولا يتعرض له أصلا ويذهبن لوجوههن بل العادة قاضية انهن ما فارقن المجلس الا وهن متيمات فيه والهات لا يصبحن ولا يمسين الا وهو همهن وفيه هواهن يفدينه بالنفس ويطمعنه بأي زينة في مقدرتهن ويعرضن له أنفسهن ويتوصلن إلى ما يردنه منه بكل ما يستطعن.
وهو ظاهر مما حكاه الله من يوسف في قوله " رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه والا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن " فإنه لم يعرض عن تكليمهن إلى مناجاة ربه الخبير بحاله السميع لمقاله الا لشدة الامر عليه وإحاطة المحنة والمصيبة من ناحيتهن به.
وثالثا: ان تلك القوة القدسية التي استعصم بها يوسف (ع) كانت كأمر تدريجي يفيض عليه آنا بعد آن من جانب الله سبحانه وليست الامر الدفعي المفروغ عنه والا لانقطعت الحاجة إليه تعالى ولذا عبر عنه بقوله: " والا تصرف عنى " ولم يقل وان لم تصرف عنى وان كانت الجملة الشرطية منسلخة الزمان لكن في الهيئة إشارات.
ولذلك أيضا قال تعالى: " فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن " الخ فنسب دفع الشر عنه إلى استجابة وصرف جديد.
ورابعا ان هذه القوة القدسية من قبيل العلوم والمعارف ولذا قال (ع) واكن من الجاهلين ولم يقل وأكن من الظالمين كما قال لامرأة العزيز انه لا يفلح الظالمون أو أكن من الخائنين كما قال للملك وان الله لا يهدى كيد الخائنين وقد فرق في نحو الخطاب بينهما وبين ربه فخاطبهما بظاهر الامر رعاية لمنزلتهما في الفهم فقال:
انه ظلم والظالم لا يفلح وانه خيانة والله لا يهدى كيد الخائن وخاطب ربه بحقيقة الامر وهو ان الصبوة إليهن من الجهل.
وستوافيك حقيقة الحال في هذين الامرين (1) في أبحاث ملحقة بالبيان إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: " فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم " أي استجاب الله مسألته في صرف كيدهن عنه حين قال والا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن "

(1) اي الامر الثالث والرابع.
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست