للتعليل فيكون الكلام من قبيل قلب الحجة على الخصم بعد بيان مقتضاها.
والمعنى ان نتيجه الحجة قد التبست عليكم بجهلكم واتباعكم الظن وخرصكم في المعارف الإلهية فحجتكم تدل على أن لا حجة لكم في دعوته إياكم إلى رفض الشرك وترك الافتراء عليه، وإن الحجة إنما هي لله عليكم فإنه لو شاء لهداكم أجمعين وأجبركم على الايمان وترك الشرك والتحريم، وإذ لم يجبركم على ذلك وأبقاكم على الاختيار فله أن يدعوكم إلى ترك الشرك والتحريم.
وبعبارة أخرى: يتفرع على حجتكم أن الحجة لله عليكم لأنه لو شاء لاجبر على الايمان فهداكم أجمعين، ولم يفعل بل جعلكم مختارين يجوز بذلك دعوتكم إلى ما دعاكم إليه.
وقد بين تعالى في طائفة من الآيات السابقة أنه تعالى لم يضطر عباده على الايمان ولم يشأ منهم ذلك بالمشية التكوينية حتى يكونوا مجبرين عليه بل أذن لهم في خلافه وهذا الاذن الذي هو رفع المانع التكويني هو اختيار العباد وقدرتهم على جانبي الفعل والترك، وهذا الاذن لا ينافي الامر التشريعي بترك الشرك مثلا بل هو الأساس الذي يبتنى عليه الأمر والنهي.
قوله تعالى: (قل هلم شهداءكم الذين يشهدون) إلى آخر الآية، هلم شهداءكم أي هاتوا شهداءكم وهو اسم فعل يستوى فيه المفرد والمثنى والمجموع، والمراد بالشهادة شهادة الأداء والإشارة بقوله: (هذا) إلى ما ذكر من المحرمات عندهم، والخطاب خطاب تعجيزي أمر به الله سبحانه ليكشف به أنهم مفترون في دعواهم أن الله حرم ذلك فهو كناية عن عدم التحريم.
وقوله: (فإن شهدوا فلا تشهد معهم) في معنى الترقي، والمعنى: لا شاهد فيهم يشهد بذلك فلا تحريم حتى أنهم لو شهدوا بالتحريم فلا تشهد معهم إذ لا تحريم ولا يعبا بشهادتهم فإنهم قوم يتبعون أهواءهم.
فقوله: (ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا) الخ، عطف تفسير لقوله: (فإن شهدوا فلا تشهد معهم) أي أن شهادتك اتباع لأهوائهم كما أن شهادتهم من اتباع الأهواء وكيف لا؟ وهم قوم كذبوا بآيات الله الباهرة، ولا يؤمنون بالآخرة ويعدلون بربهم