ما يفيده السياق دون الهلاك بإنزال العذاب في الدنيا.
وثالثا: أن المراد بالظلم في الآية هو الظلم منه تعالى لو أهلكهم وهم غافلون دون الظلم من أهل القرى.
قوله تعالى: (ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون) متعلق الكل محذوف وهو والضمير الراجع إلى الطائفتين، والمعنى: ولكل طائفة من طائفتي الجن والإنس درجات من أعمالهم فإن الأعمال مختلفة وباختلافها يختلف ما توجبه من الدرجات وما ربك بغافل عن أعمالهم بيان قوله تعالى: (وربك الغنى ذو الرحمة إلى) آخر الآية. بيان عام لنفى الظلم عنه تعالى في الخلقة.
وتوضيحه: أن الظلم وهو وضع الشئ في غير موضعه الذي ينبغي أن يوضع عليه وبعبارة أخرى إبطال حق إنما يتحقق من الظلم بأخذ شئ أو تركه لاحد أمرين إما لحاجة منه إليه بوجه من الوجوه كان يعود إليه أو إلى من يهواه منه نفع أو يندفع عنه أو عما يعود إليه بذلك ضرر، وإما لا لحاجة منه إليه بل لشقوة باطنية وقسوة نفسانية لا يعبأ بها بما يقاسيه المظلوم من المصيبة ويكابده من المحنة، وليس ذلك منه لحاجة بل من آثار الملكة المشومة.
والله سبحانه منزه من هاتين الصفتين السيئتين فهو الغنى الذي لا تمسه حاجة ولا يعرضه فقر، وذو الرحمة المطلقة التي ينعم بها على كل شئ بما يليق بحاله فلا يظلم سبحانه أحدا، وهذا هو الذي يدل عليه قوله: (وربك الغنى ذو الرحمة) الخ، ومعنى الآية:
وربك هو الذي يوصف بالغنى المطلق الذي لا فقر معه ولا حاجة، وبالرحمة المطلقة التي وسعت كل شئ ومقتضى ذلك أنه قادر على أن يذهبكم بغناه ويستخلف من بعدكم ما يشاء من الخلق برحمته والشاهد عليه أنه أنشأكم برحمته من ذرية قوم آخرين أذهبهم بغناه عنهم.
وفي قوله: (ما يشاء) دون أن يقال: من يشاء، إبهام للدلالة على سعة القدرة.
قوله تعالى: (إنما توعدون لات وما أنتم بمعجزين) أي الامر الإلهي من البعث والجزاء وهو الذي توعدون من طريق الوحي لات البتة وما أنتم بمعجزين لله حتى تمنعوا