كالانسان الذي من سعادته المطلوبة إن يبقى بقاء بوضع البدل مكان ما تحلل من بنيته ثم هو مجهز بجهاز التغذي الدقيق الذي، يناسب ذلك، والأدوات والأسباب الملائمة له، ثم في المادة الخارجية ما يوافق مزاج بنيته فيأخذها بالأسباب والأدوات المهيأة لذلك، ثم يصفيه ويبدل صورته إلى ما يشابه صورة المتحلل من بدنه ثم يلصقه ببدنه فيعود البدن تاما بعد نقصانه، وهذا حكم عام جار في جميع الأنواع الخارجية التي تناله حواسنا ويسعه استقراؤنا من غير تخلف واختلاف البتة. و على هذا يجرى نظام الكون في مسيره فلكل غاية مطلوبة وسعادة مقصودة طريق خاص لا يسلك إليها إلا منه، ولو توصل إليها من غير سببه الذي يألفها النظام أوجب ذلك العطل في السبب وبطلان الطريق، وفي عطله وبطلانه فساد جميع ما يرتبط و يتعلق به من الأسباب والعلائق كالانسان الذي فرض توصله إلى إبقاء الوجود من غير طريق التناول والالتقام والهضم فإن ذلك يفضى إلى عطل قوته الغاذية، وفي عطله انحراف قوتيه المنمية والمولدة مثلا جميعا.
وقد اقتضت العناية الإلهية في هذه الأنواع التي تعيش بالشعور والإرادة أن تعيش بتطبيق أعمالها على ما حصلته من العلم بالخارج فلو انحرفت عن الخارج لعارض ما كان في ذلك بطلان العمل، ولو تكرر ذلك بطلت الذات كالانسان المريد للاكل إذا غلط وحسب السم غذاء أو الطين خبزا ونحو ذلك.
وللانسان عقائد وآراء عامة متولدة من نظام الكون الخارجي يضعها أصلا ويطبق عمله عليها كالعائد الراجعة إلى المبدء والمعاد، والاحكام العملية التي يجعلها مقاييس لاعماله من العبادات والمعاملات.
وهذه طرق إلى السعادات الانسانية بحسب طبعها لا طريق إليها دونها إذا سلكها الانسان أدرك بغيته وظفر بسعادته، ولو انحرف عنها إلى غيرها - وهو الظلم - لم يوصله إلى بغيته ولئن أوصله إليه لم يثبت عليه، ولم يدم له ذلك فان سائر الطرق والسبل مربوطة به فتنازعه في ذلك، وتخالفه وتضاده بجميع ما لها من الوسع والطاقة، ثم أجزاء الكون الخارجي الذي هو السبب لانتشاء هذه الآراء والاحكام لا توافقه في عملة، ولا، تزال على هذا الحال حتى تقلب له الامر، وتفسد عليه سعادته، وتنغص عليه عيشته.