عن أمرهم لا تكوينا ولا غيره فلتطب نفسك.
ويظهر من ذلك أيضا أن قوله: (وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل) أيضا مسوق سوق التسلية وتطييب النفس، وكأن المراد بالحفيظ القائم على إدارة شؤون وجودهم كالحياة والنشوء والرزق ونحوها، وبالوكيل القائم على إدارة الأعمال ليجلب بذلك المنافع ويدفع المضار المتوجهة إلى الموكل عنه من ناحيتها فمحصل المراد بقوله:
(وما جعلناك) الخ، أن ليس إليك أمر حياتهم الكونية ولا أمر حياتهم الدينية حتى يحزنك ردهم لدعوتك وعدم إجابتهم إلى طلبتك.
وربما يقال: إن المراد بالحفيظ من يدفع الضرر ممن يحفظه وبالوكيل من يجلب المنافع إلى من يتوكل عنه، ولا يخلو عن بعد فإن الحفيظ فيما يتبادر من معناه يختص بالتكوين والوكيل يعم التكوين وغيره، ولا كثير جدوى في حمل إحدى الجملتين على جهة تكوينية، والاخرى على ما يعمها وغيرها بل الوجه حمل الأولى على إحدى الجهتين، والاخرى على الأخرى.
قوله تعالى: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) السب معروف، قال الراغب في المفردات: العدو التجاوز ومنافاة الالتيام فتارة يعتبر بالقلب فيقال له: العداوة والمعاداة، وتارة بالمشي فيقال له العدو، وتارة في الاخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له العدوان والعدو قال: فيسبوا الله عدوا بغير علم وتارة بأجزاء المقر فيقال له العدواء يقال: مكان ذو عدواء أي غير متلائم الاجزاء. انتهى.
والآية تذكر أدبا دينيا تصان به كرامة مقدسات المجتمع الديني وتتوقى ساحتها أن يتلوث بدرن الاهانة والازراء بشنيع القول والسب والشتم والسخرية ونحوها فإن الانسان مغروز على الدفاع عن كرامة ما يقدسه، والمقابلة في التعدي على من يحسبه متعديا إلى نفسه، وربما حمله الغضب على الهجر والسب لما له عنده أعلى منزلة العزة والكرامة فلو سب المؤمنون آلهة المشركين حملتهم عصبية الجاهلية أن يعارضوا المؤمنين بسب ما له عندهم كرامة الألوهية وهو الله عز اسمه ففي سب آلهتهم نوع تسبيب إلى ذكره تعالى بما لا يليق بساحة قدسه وكبريائه.
وعموم التعليل المفهوم من قوله: (كذلك زينا لكل أمة عملهم) يفيد عموم النهى