ثم أشار إلى ملاك النهى عنها بقوله: (قل لا أتبع أهواءكم) وهو أن عبادتهم اتباع للهوى وقد نهى عنه ثم أشار بقوله: (قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين) إلى سبب الاستنكاف عن اتباع الهوى وهو الضلال والخروج عن جماعة المهتدين وهم الذين اتصفوا بصفة قبول هداية الله سبحانه، وعرفوا بذلك، فاتباع الهوى ينافي استقرار صفة الاهتداء في نفس الانسان، ويمانع إشراق نور التوحيد على قلبه إشراقا ثابتا ينتفع به.
وقد تلخص بذلك كله بيان تام معلل للنهي أو الانتهاء عن عبادة أصنامهم، وهو أن في عبادتها اتباعا للهوى، وفي اتباع الهوى الضلال والخروج عن صف المهتدين بالهداية الإلهية.
قوله تعالى: (قل إني على بينة من ربى وكذبتم به) إلى آخر الآية. البينة هو الدلالة الواضحة من البيان وهو الوضوح، والأصل في معنى هذه المادة هو انعزال شئ عن شئ وانفصاله عنه بحيث لا يتصلان ولا يختلطان، ومنه البين والبون والبينونة وغير ذلك، قد سميت البينة بينة لان الحق يبين بها عن الباطل فيتضح ويسهل الوقوف عليه من غير تعب ومؤنه.
والمراد بمرجع الضمير في قوله: (وكذبتم به) هو القرآن وظاهر السياق أن يكون التكذيب إنما تعلق بالبينة التي هو صلى الله عليه وآله عليها على ما هو ظاهر اتصال المعنى، ويؤيده قوله بعده: (ما عندي ما تستعجلون به) الخ، فإن المحصل من الكلام مع انضمام هذا الذيل: أن الذي أيد الله به رسالتي من البينات وهو القرآن تكذبون، به والذي تقترحونه على وتستعجلون به من الآيات ليس في اختياري ولا مفوضا أمره إلى فليس بيننا ما نتوافق فيه لما أنى أوتيت ما لا تريدون وأنتم تريدون ما لم أوت.
فمن هنا يظهر أن الضمير المجرور في قوله: (وكذبتم به) راجع إلى البينة لكون المراد به القرآن، وأن قوله: (ما عندي ما تستعجلون به) أريد به نفى التسلط على ما يستعجلون به بالتكنية فإن الغالب فيما يقدر الانسان عليه وخاصة في باب الاعطاء والانفاق أن يكون ما يعطيه وينفقه حاضرا عنده أو مذخورا لديه وتحت تسلطه ثم ينفق منه ما ينفق فقد أريد بقوله: (ما عندي) نفى التسلط والقدرة من باب نفى الملزوم بنفي اللازم.
وقوله: (إن الحكم إلا لله) الخ، بيان لسبب النفي، ولذلك جئ فيه بالنفي