تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ٣٢٨
عليهم وقيام البينة فإن الحد غير ساقط، وأما قوله تعالى: " فاعلموا أن الله غفور رحيم " فهو كناية عن رفع الحد عنهم، والآية من موارد تعلق المغفرة بغير الامر الأخروي.
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة " (الخ) قال الراغب في المفردات: الوسيلة التوصل إلى الشئ برغبة، وهى أخص من الوسيلة لتضمنها لمعنى الرغبة، قال تعالى: وابتغوا إليه الوسيلة، وحقيقة الوسيلة إلى الله تعالى مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وتحرى مكارم الشريعة، وهى كالقربة وإذ كانت نوعا من التوصل وليس إلا توصلا واتصالا معنويا بما يوصل بين العبد وربه ويربط هذا بذاك، ولا رابط يربط العبد بربه إلا ذلة العبودية، فالوسيلة هي التحقق بحقيقة العبودية وتوجيه وجه المسكنة والفقر إلى جنابة تعالى، فهذه هي الوسيلة الرابطة، وأما العلم والعمل فإنما هما من لوازمها وأدواتها كما هو ظاهر إلا أن يطلق العلم والعمل على نفس هذه الحالة.
ومن هنا يظهر أن المراد بقوله: " وجاهدوا في سبيله " مطلق الجهاد الذي يعم جهاد النفس وجهاد الكفار جميعا إذ لا دليل على تخصيصه بجهاد الكفار مع اتصال الجملة بما تقدمها من حديث ابتغاء الوسيلة، وقد عرفت ما معناه: على أن الآيتين التاليتين بما تشتملان عليه من التعليل إنما تناسبان إرادة مطلق الجهاد من قوله: " وجاهدوا في سبيله ".
ومع ذلك فمن الممكن أن يكون المراد بالجهاد هو القتال مع الكفار نظرا إلى أن تقييد الجهاد بكونه في سبيل الله إنما وقع في الآيات الامرة بالجهاد بمعنى القتال، وأما الأعم فخال عن التقييد كقوله تعالى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله مع المحسنين " (العنكبوت: 69) وعلى هذا فالامر بالجهاد في سبيل الله بعد الامر بابتغاء الوسيلة إليه من قبيل ذكر الخاص بعد العام اهتماما بشأنه ولعل الامر بابتغاء الوسيلة إليه بعد الامر بالتقوى أيضا من هذا القبيل.
قوله تعالى: " إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض " (إلى آخر الآيتين) ظاهره - كما تقدمت الإشارة إليه - أن يكون تعليلا لمضمون الآية السابقة، والمحصل أنه يجب عليكم أن تتقوا الله وتبتغوا إليه الوسيلة وتجاهدوا في سبيله فإن ذلك أمر يهمكم في صرف عذاب أليم مقيم عن أنفسكم، ولا بدل له يحل محله فإن الذين كفروا فلم يتقوا الله ولم يبتغوا إليه الوسيلة ولم يجاهدوا في سبيله لو أنهم ملكوا ما في الأرض جميعا - وهو اقصى ما يتمناه
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة النساء 5
2 (77 - 80) كلام في استناد الحسنات والسيئات إليه تعالى. (بحث قرآني) 9
3 (85 - 91) في معنى التحية. (بحث قرآني) 31
4 (95 - 100) في المستضعف. (بحث قرآني) 51
5 (105 - 126) في معنى العصمة. (بحث قرآني) 78
6 سورة المائدة 156
7 (1 - 3) في معنى العقد. (بحث قرآني) 158
8 بحث علمي في فصول ثلاثة: (1 - 3) 1 - العقائد في اكل اللحم. (بحث علمي) 183
9 (1 - 3) 2 - كيف امر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟ (بحث علمي) 184
10 (1 - 3) 3 - لماذا بني الاسلام على التذكية؟ (بحث علمي) 187
11 (15 - 19) كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن (بحث مختلط قرآني وروائي) 254
12 (15 - 19) في تاريخ التفكر الاسلامي اجمالا. (بحث تاريخي) 271
13 (27 - 32) كلام في معنى الاحساس والتفكير. (بحث قرآني) 308
14 (27 - 32) في تطبيق قصة ابني آدم على ما في التوراة. (بحث علمي) 323
15 (41 - 50) كلام في معنى الشريعة والفرق بينها وبين الدين والملة في عرف القرآن. (بحث قرآني) 350
16 (51 - 54) كلام في معنى مرض القلب. (بحث قرآني) 377
17 (51 - 54) كلام في كليات حوادث آخر الزمان. (بحث قرآني وروائي) 390