على أن الجميع مؤلف من آحاد كل واحد منها يعدل الجميع المؤلف من الآحاد كذلك، ويذهب إلى ما لا نهاية له، ولا معنى للجميع بهذا المعنى، إذ لا فرد واحد له فلا جميع من غير آحاد.
على أن الله تعالى يقول: " من جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها " (الانعام: 160) وثانيا: بأن كون قتل الواحد يعدل قتل الجميع ان أريد به قتل الجميع الذي يشتمل على هذا الواحد كان لازمه مساواة الواحد مجموع نفسه وغيره وهو محال بالبداهة، وان أريد به قتل الجميع باستثناء هذا الواحد كان معناه من قتل نفسا فكأنما قتل غيرها من النفوس، وهو معنى ردئ مفسد للغرض من الكلام وهو بيان غاية أهمية هذا الظلم.
على أن اطلاق قوله: " فكأنما قتل الناس جميعا " من غير استثناء يدفع هذا الاحتمال.
ولا يندفع هذا الاشكال بمثل قولهم: ان المراد هو المعادلة من حيث العقوبة أو مضاعفة العذاب ونحو ذلك، وهو ظاهر.
والجواب عن الاشكالين: أن قوله: " من قتل نفسا - إلى قوله - فكأنما قتل الناس جميعا " كناية عن كون الناس جميعا ذوي حقيقة واحدة إنسانية متحدة فيها، الواحد منهم والجميع فيها سواء، فمن قصد الانسانية التي في الواحد منهم فقد قصد الانسانية التي في الجميع كالماء إذا وزع بين أواني كثيرة فمن شرب من أحد الآنية فقد شرب الماء، وقد قصد الماء من حيث إنه ماء - وما في جميع الآنية لا يزيد على الماء من حيث إنه ماء - فكأنه شرب الجميع، فجملة: " من قتل، الخ " كناية في صورة التشبيه، والاشكالان مندفعان، فإن بناءهما على كون التشبيه بسيطا يزيد فيه وجه الشبه على حسب زيادة المشبه عددا إذ لو سوى حينئذ بين الواحد والجميع فسد المعنى وعرض الاشكال كما لو قيل:
الواحد من القوم كالواحد من الأسد والواحد منهم كالجميع في البطش والبسالة.
وأما قوله تعالى: " ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " فالكلام فيه كالكلام في الجملة السابقة، والمراد بالاحياء ما يعد في عرف العقلاء إحياء كإنقاذ الغريق وإطلاق الأسير، وقد عد الله تعالى في كلامه الهداية إلى الحق إحياء قال تعالى: " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس " (الانعام: 122) فمن دل نفسا إلى الايمان فقد أحياها.