تفرقوا فرقتين عظيمتين وهما الأشاعرة والمعتزلة، وكانت أصول أقوالهم موجودة في زمن الخلفاء بل في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدل على ذلك ما روى من احتجاجات علي عليه السلام في الجبر والتفويض والقدر والاستطاعة وغيرها، وما روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك (1).
وإنما امتازت الطائفتان في هذا الاوان بامتياز المسلكين وهو تحكيم المعتزلة ما يستقل به العقل على الظواهر الدينية كالقول بالحسن والقبح العقليين، وقبح الترجيح من غير مرجح، وقبح التكليف بما لا يطاق، والاستطاعة، والتفويض، وغير ذلك، وتحكيم الأشاعرة الظواهر على حكم العقل بالقول بنفي الحسن والقبح، وجواز الترجيح من غير مرجح، ونفى الاستطاعة، والقول بالجبر، وقدم كلام الله، وغير ذلك مما هو مذكور في كتبهم.
ثم رتبوا الفن واصطلحوا الاصطلاحات وزادوا مسائل قابلوا بها الفلاسفة في المباحث المعنوية بالأمور العامة، وذلك بعد نقل كتب الفلسفة إلى العربية وانتشار دراستها بين المسلمين، وليس الامر على ما ذكره بعضهم: أن التكلم ظهر أو انشعب في الاسلام إلى الاعتزال والأشعرية بعد انتقال الفلسفة إلى العرب، يدل على ذلك وجود معظم مسائلهم وآرائهم في الروايات قبل ذلك.
ولم تزل المعتزلة تتكثر جماعتهم وتزداد شوكتهم وأبهتهم منذ أول الظهور إلى أوائل العهد العباسي (أوائل القرن الثالث الهجري) ثم رجعوا يسلكون سبيل الانحطاط والسقوط حتى أبادتهم الملوك من بنى أيوب فانقرضوا وقد قتل في عهدهم وبعدهم لجرم الاعتزال من الناس ما لا يحصيه إلا الله سبحانه وعند ذلك صفى جو البحث الكلامي للأشاعرة من غير معارض فتوغلوا فيه بعد ما كان فقهاؤهم يتأثمون بذلك أولا، ولم يزل الأشعرية رائجة عندهم إلى اليوم.
وكان للشيعة قدم في التكلم، كان أول طلوعهم بالتكلم بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان جلهم من الصحابة كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار وعمرو بن الحمق وغيرهم ومن التابعين كرشيد وكميل وميثم وسائر العلويين أبادتهم أيدي الأمويين، ثم تأصلوا وقوى أمرهم ثانيا