وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " (الشمس:
10) وقال: " واتقوا الله لعلكم تفلحون (آل عمران: 130).
ومن طريق آخر: قال تعالى: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا " (مريم: 60) فذكر ان اتباع الشهوات يسوق إلى الغى، وقال تعالى: " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين " (الأعراف: 146:
فذكر أن أسراء القوى الغضبية ممنوعون من اتباع الحق مسوقون إلى سبيل الغى، ثم ذكران ذلك بسبب غفلتهم عن الحق، وقال تعالى: " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " (الأعراف: 179: فذكر ان هؤلاء الغافلين إنما هم غافلون عن حقائق المعارف التي للانسان، فقلوبهم وأعينهم وآذانهم بمعزل عن نيل ما يناله الانسان السعيد في إنسانيته، وإنما ينالون بها ما تناله الانعام أو ما هو أضل من الانعام وهى الأفكار التي إنما تصوبها وتميل إليها وتألف بها البهائم السائمة والسباع الضارية.
فظهر من جميع ما تقدم أن القرآن الكريم إنما اشترط التقوى في التفكر والتذكر والتعقل، وقارن العلم بالعمل للحصول على استقامة الفكر وإصابة العلم وخلوصه من شوائب الأوهام الحيوانية والالقاءات الشيطانية.
نعم هاهنا حقيقة قرآنية لا مجال لانكارها وهو أن دخول الانسان في حظيرة الولاية الإلهية، وتقربه إلى ساحة القدس والكبرياء يفتح له بابا إلى ملكوت السماوات والأرض يشاهد منه ما خفى على غيره من آيات الله الكبرى، وأنوار جبروته التي لا تطفأ، قال الصادق عليه السلام: لولا أن الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لرأوا ملكوت السماوات والأرض، وفيما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لولا تكثير في كلامكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع، وقد قال تعالى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " (العنكبوت: 69) ويدل على ذلك ظاهر قوله تعالى: " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " (الحجر: 99) حيث فرع اليقين على العبادة، وقال تعالى: " وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين " (الانعام: 75) فربط