الأولين بل كل من الأولين كالمنقسم إلى الأخيرين، ولذلك احتمل بعضهم أن يكون " أو " في قوله: " أو جاء أحد منكم "، بمعنى الواو كما سيجئ، على أن العذر لا ينحصر في المرض والسفر بل له مصاديق أخر.
لكن الله سبحانه ذكر المرض والسفر وهما مظنة عدم التمكن من الماء غالبا، وذكر المجئ من الغائط وملامسة النساء وفقدان الماء معهما اتفاقي، ومن جهة أخرى - وهى عكس الجهة الأولى - عروض المرض والسفر للانسان بالنظر إلى بنيته الطبيعية أمر اتفاقي بخلاف التردد إلى الغائط وملامسة النساء فإنهما من حاجة الطبيعة: أحدهما يوجب الحدث الأصغر الذي يرتفع بالوضوء، والاخر الحدث الأكبر الذي يرتفع بالغسل.
فهذه الموارد الأربع موارد يبتلى الانسان ببعضها اتفاقا وببعضها طبعا. وهى تصاحب فقدان الماء غالبا كالمرض والسفر أو اتفاقا كالتخلي والمباشرة إذا انضم إليها عدم وجدان الماء فالحكم هو التيمم.
وعلى هذا يكون عدم وجدان الماء كناية عن عدم القدرة على الاستعمال. كنى به عنه لان الغالب هو استناد عدم القدرة إلى عدم الوجدان، ولازم ذلك أن يكون عدم الوجدان قيدا لجميع الأمور الأربعة المذكورة حتى المرض.
وقد تبين بما قدمناه اولا: أن المراد بالمرض في قوله: " كنتم مرضى " هو المرض الذي يتحرج معه الانسان من استعمال الماء ويتضرر به على ما يعطيه التقييد بقوله: " فلم تجدوا ماء " ويفيده أيضا سياق الكلام في الآية.
وثانيا: أن قوله: " أو على سفر " شق برأسه يبتلى به الانسان اتفاقا، ويغلب عليه فيه فقدان الماء، فليس بمقيد بقوله: " أو جاء أحد منكم " (الخ) بل هو معطوف على قوله: " فاغسلوا " والتقدير: إذا قمتم إلى الصلاة وكنتم على سفر ولم تجدوا ماء فتيمموا، فحال هذا الفرض في إطلاقه وعدم تقيده بوقوع أحد الحدثين حال المعطوف عليه أعني قوله: " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا " (الخ) فكما لم يحتج إلى التقييد ابتداء لم يحتج إليه ثانيا عند العطف.
وثالثا: أن قوله: " أو جاء أحد منكم من الغائط " شق آخر مستقلا وليس كما قيل: إن " أو " فيه بمعنى الواو كقوله تعالى: " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون "