غسلهما إمرار الماء عليهما أو اصابتهما بالماء، ومسحهما امرار اليد أو ما قام مقام اليد عليهما، فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو غاسل ماسح، فالنصب في قوله: " أرجلكم بعناية أن الواجب هو غسلهما، والجر بعناية أنه ماسح بالماء غسلا، انتهى ملخصا.
وما أدرى كيف يثبت بهذا الوجه أن المراد بمسح الرأس في الآية هو المسح من غير غسل، وبمسح الرجلين هو المسح بالغسل؟ وهذا الوجه هو الوجه السابق بعينه ويزيد عليه فسادا، ولذلك يرد على هذا ما يرد على ذاك.
ويزيد عليه اشكالا أن قوله: إن الله أمر بعموم مسح الرجلين في الوضوء (الخ) الذي قاس فيه الوضوء على التيمم إن أراد به قياس الحكم على الحكم أعني ما ثبت عنده بالروايات فأي دلالة له على دلالة الآية على ذلك؟ وليست الروايات - كما عرفت - بصدد تفسير لفظ الكتاب، وإن أراد به قياس قوله: " فامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين " في الوضوء على قوله: " فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " في التيمم فهو ممنوع في المقيس والمقيس عليه جميعا فان الله تعالى عبر في كليهما بالمسح المتعدى بالباء، وقد تقدم أن المسح المتعدى بالباء لا يدل في اللغة على استيعاب المسح الممسوح، وأن الذي يدل على ذلك هو المسح المتعدى بنفسه.
وهذه الوجوه وأمثالها مما وجهت بها الآية بحملها على خلاف ظاهرها حفظا للروايات فرارا من لزوم مخالفة الكتاب فيها، ولو جاز لنا تحميل معنى الرواية على الآية بتأويل الآية بحملها على خلاف ظاهرها لم يتحقق لمخالفة الكتاب مصداق.
فالاحرى للقائل بوجوب غسل الرجلين في الوضوء أن يقول كما قال بعض السلف كأنس والشعبي وغيرهما على ما نقل عنهم: أنه نزل جبرئيل بالمسح والسنة الغسل، ومعناه نسخ الكتاب بالسنة. وينتقل البحث بذلك عن المسألة التفسيرية إلى المسألة الأصولية:
هل يجوز نسخ الكتاب بالسنة أو لا يجوز، والبحث فيه من شأن الأصولي دون المفسر وليس قول المفسر بما هو مفسر: إن الخبر الكذائي مخالف للكتاب إلا للدلالة على أنه غير ما يدل عليه ظاهر الكتاب دلالة معولا عليها في الكشف عن المراد دون الفتيا بالحكم الشرعي الذي هو شأن الفقيه.
وأما قوله تعالى: " إلى الكعبين " فالكعب هو العظم الناتئ في ظهر القدم. وربما