بقية من الصعيد كغبار ونحوه بمسح الوجه واليدين واستنتج منه وجوب كون الصعيد المضروب عليه مشتملا على شئ من الغبار يمسح منه بالوجه واليدين فلا يصح التيمم على حجر أملس لم يتعلق به غبار، والظاهر ما قدمناه - والله أعلم - وما استنتجه من الحكم لا يختص بما احتمله.
قوله تعالى: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم " دخول " من " على مفعول " ما يريد " لتأكيد النفي، فلا حكم يراد به الحرج بين الاحكام الدينية أصلا، ولذلك علق النفي على إرادة الجعل دون نفس الحرج.
والحرج حرجان: حرج يعرض ملاك الحكم ومصلحته المطلوبة، ويصدر الحكم حينئذ حرجيا بذاته لتبعية ملاكه كما لو حرم الالتذاذ من الغذاء لغرض حصول ملكة الزهد، فالحكم حرجى من رأس، وحرج بعرض الحكم من خارج عن أسباب اتفاقية فيكون بعض أفراده حرجيا ويسقط الحكم حينئذ في تلك الافراد الحرجية لا في غيرها مما لا حرج فيه، كمن يتحرج عن القيام في الصلاة لمرض يضره معه ذلك، ويسقط حينئذ وجوب القيام عنه لا عن غيره ممن يستطيعه.
وإضرابه تعالى بقوله: " ولكن يريد ليطهركم "، عن قوله: " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " يدل على أن المراد بالآية نفى الحرج الذي في الملاك أي إن الاحكام التي يجعلها عليكم ليست بحرجية شرعت لغرض الحرج، وذلك لان معنى الكلام أن مرادنا بهذه الأحكام المجعولة تطهيركم وإتمام النعمة وهو الملاك، لا أن نشق عليكم ونحرجكم، ولذلك لما وجدنا الوضوء والغسل حرجيين عليكم عند فقدان الماء انتقلنا من إيجاب الوضوء والغسل إلى إيجاب التيمم الذي هو في وسعكم، ولم يبطل حكم الطهارة من رأس لإرادة تطهيركم وإتمام النعمة عليكم لعلكم تشكرون.
قوله تعالى: " ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون " لازم ما تقدم من معنى نفى إرادة الحرج أن يكون المراد بقوله: " يريد ليطهركم " أن تشريع الوضوء والغسل والتيمم إنما هو حصول الطهارة فيكم لكونها أسبابا لذلك، وهذه الطهارة أيا ما كانت ليست بطهارة عن الخبث بل هي طهارة معنوية حاصلة بأحد هذه الأعمال الثلاثة، وهى التي تشترط بها الصلاة في الحقيقة.