فربما قيل: ان " أرجلكم " عطف على " وجوهكم " كما تقدم هذا على قراءة النصب، وأما على قراءة الجر فتحمل على الاتباع، وقد عرفت أن شيئا منهما لا يحتمله الكلام البليغ الذي يطابق فيه الوضع الطبع.
وربما قيل في توجيه قراءة الجر: إنه من قبيل العطف في اللفظ دون المعنى كقوله:
علفتها تبنا وماء باردا.
وفيه أن مرجعه إلى تقدير فعل يعمل عملا يوافق إعراب حال العطف كما يدل عليه ما استشهد به من الشعر. وهذا المقدر في الآية إما " اغسلوا " وهو يتعدى بنفسه لا بحرف الجر، وإما غيره وهو خلاف ظاهر الكلام لا دليل عليه من جهة اللفظ البتة وأيضا ما استشهد به من الشعر إما من قبيل المجاز العقلي، وإما بتضمين علفت معنى أعطيت وأشبعت ونحوهما. وأيضا الشعر المستشهد به يفسد معناه لو لم يعالج بتقدير ونحوه، فهناك حاجة إلى العلاج قطعية، وأما الآية فلا حاجة فيها إلى ذلك من جهة اللفظ يقطع بها.
وربما قيل في توجيه الجر بناء على وجوب غسل الأرجل: إن العطف في محله غير أن المسح خفيف الغسل فهو غسل بوجه فلا مانع من أن يراد بمسح الأرجل غسلها، ويقوى ذلك أن التحديد والتوقيت إنما جاء في المغسول وهو الوجه، ولم يجئ في الممسوح فلما رفع التحديد في المسح وهو قوله: " وأرجلكم إلى الكعبين " علم أنه في حكم الغسل لموافقته الغسل في التحديد.
وهذا من أردء الوجوه، فإن المسح غير الغسل ولا ملازمة بينهما أصلا. على أن حمل مسح الأرجل على الغسل دون مسح الرؤوس ترجيح بلا مرجح. وليت شعري ما ذا يمنعه أن يحمل كل ما ورد فيه المسح مطلقا في كتاب أو سنة على الغسل وبالعكس وما المانع حينئذ أن يحمل روايات الغسل على المسح، وروايات المسح على الغسل فتعود الأدلة عن آخرها مجملات لا مبين لها.
وأما ما قواه به فهو من تحميل الدلالة على اللفظ بالقياس، وهو من أفسد القياسات.
وربما قيل إن الله أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم فإذا فعل ذلك بهما المتوضئ كان مستحقا اسم ماسح غاسل، لان