وظهر أيضا فساد ما نسب إلى بعضهم: أن المراد بملامسة النساء هو الملامسة حقيقة بنحو التصريح من غير أن تكون كناية عن الجماع. وجه فساده أن سياق الآية لا يلائمه، وإنما يلائم الكناية فإن الله سبحانه ابتدا في كلامه ببيان حكم الحدث الأصغر بالوضوء و حكم الجنابة بالغسل في الحال العادي، وهو حال وجدان الماء، ثم انتقل الكلام إلى بيان الحكم في الحال غير العادي، وهو حال فقدان الماء فبين فيه حال بدل الوضوء وهو التيمم فكان الأحرى والأنسب بالطبع أن يذكر حال بدل الغسل أيضا، وهو قرين الوضوء، وقد ذكر ما يمكن أن ينطبق عليه، وهو قوله: " أو لامستم النساء " على سبيل الكناية، فالمراد به ذلك لا محالة، ولا وجه لتخصيص الكلام ببيان حكم بدل الوضوء وهو أحد القرينين، وإهمال حكم بدل القرين الاخر وهو الغسل رأسا.
وخامسا: يظهر بما تقدم فساد ما أورد على الآية من الاشكالات: فمنها أن ذكر المرض والسفر مستدرك، فإنهما انما يوجبان التيمم بانضمام أحد الشقين الأخيرين وهو الحدث والملامسة، مع أنهما يوجبانه ولو لم يكن معهما مرض أو سفر فذكر الأخيرين يغنى عن ذكر الأولين. والجواب أن ذكر الشقين الأخيرين ليس لغرض انضمامهما إلى أحد الأولين بل كل من الأربعة شق مستقل مذكور لغرض خاص به يفوت بحذفه من الكلام على ما تقدم بيانه.
ومنها: أن الشق الثاني وهو قوله: " أو على سفر " مستدرك وذلك بمثل ما وجه به الاشكال السابق غير أن المرض لما كان عذره الموجب للانتقال إلى البدل هو عدم التمكن من استعمال الماء الموجود لا عدم وجدان الماء كان من اللازم أن يقدر له ذلك في الكلام، ولا يغنى عن ذكره ذكر الشقين الأخيرين مع عدم وجدان الماء، ونتيجة هذا الوجه كون السفر مستدركا فقط. والجواب أن عدم الوجدان في الآية كناية عن عدم التمكن من استعمال الماء أعم من صورة وجدانه أو فقدانه كما تقدم.
ومنها: أن قوله: " فلم تجدوا ماء " يغنى عن ذكر جميع الشقوق، ولو قيل مكان قوله: " وان كنتم مرضى " (الخ): " وان لم تجدوا ماء " لكان أوجز وأبين، والجواب:
أن فيه إضاعة لما تقدم من النكات.
ومنها: أن لو قيل: وان لم تقدروا على الماء أو ما يفيد معناه كان أولى، لشموله