كان يغسلهما إذا توضأ، وهو من عجيب الجرأة في تفسير كلام الله، فإن ما ورد من السنة في ذلك إما فعل والفعل مبهم ذو وجوه فكيف يسوغ أن يحصل بها معنى لفظ من الألفاظ حتى يعد ذلك أحد معاني اللفظ؟ وإما قول وارد في بيان الحكم دون تفسير الآية، ومن الممكن أن يكون وجوب الغسل للمقدمة العلمية أو مما زاده النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان له ذلك كما فعله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلوات الخمس على ما وردت به الروايات الصحيحة.
وأما قوله تعالى: " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " فهو من قبيل تضمين الاكل معنى الضم ونحوه مما يتعدى بإلى لا أن لفظة (إلى) هنالك بمعنى مع.
وقد تبين بما مر أن قوله " إلى المرافق " قيد لقوله " أيديكم " فيكون الغسل المتعلق بها مطلقا غير مقيد بالغاية يمكن أن يبدء فيه من المرفق إلى أطراف الأصابع وهو الذي يأتي به الانسان طبعا إذا غسل يده في غير حال الوضوء من سائر الأحوال أو يبدء من أطراف الأصابع ويختم بالمرفق، لكن الأخبار الواردة من طرق أئمة أهل البيت عليهم السلام تفتى بالنحو الأول دون الثاني.
وبذلك يندفع ما ربما يقال: إن تقييد الجملة بقوله " إلى المرافق " يدل على وجوب الشروع في الغسل من أطراف الأصابع والانتهاء إلى المرافق. وجه الاندفاع أن الاشكال مبنى كون قوله " إلى المرافق " قيدا لقوله " فاغسلوا " وقد تقدم أنه قيد للأيدي، ولا مناص منه لكونه مشتركا محتاجا إلى القرينة المعينة، ولا معنى لكونه قيدا لهما جميعا.
على أن الأمة أجمعت على صحة وضوء من بدأ في الغسل بالمرافق وانتهى إلى أطراف الأصابع كما في المجمع، وليس إلا لان الآية تحتمله: وليس إلا لان قوله " إلى المرافق " قيد للأيدي دون الغسل.
قوله تعالى: " وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين " المسح: إمرار اليد أو كل عضو لامس على الشئ بالمباشرة، يقال. مسحت الشئ ومسحت بالشئ، فإذا عدى بنفسه أفاد الاستيعاب، وإذا عدى بالباء دل على المسح ببعضه من غير استيعاب وإحاطة.
فقوله: " وامسحوا برؤسكم " يدل على مسح بعض الرأس في الجملة، وأما أنه أي بعض من الرأس فمما هو خارج من مدلول الآية والمتكفل لبيانه السنة، وقد صح أنه جانب الناصية من الرأس.