الصافات: 147) لما عرفت من عدم الحاجة إلى ذلك. على أن " أو " في الآية المستشهد بها ليس إلا بمعناها الحقيقي، وإنما الترديد راجع إلى كون المقام مقاما يتردد فيه بالطبع لا لجهل في المتكلم كما يقال بمثله في الترجي والتمني الواقعين في القرآن كقوله: " لعلكم تتقون " (البقرة: 21)، وقوله: " لو كانوا يعلمون " (البقرة: 102).
وحكم هذه الجملة في العطف حكم سابقتها، والتقدير: إذا قمتم إلى الصلاة وكان جاء أحد منكم من الغائط ولم تجدوا ماء فتيمموا.
وليس من البعيد أن يستفاد من ذلك عدم وجوب إعادة التيمم أو الوضوء لمن لم تنتقض طهارته بالحدث الأصغر إن كان على طهارة بناء على مفهوم الشرط فيتأيد به من الروايات ما يدل على عدم وجوب التطهر لمن كان على طهارة.
وفي قوله تعالى: " أو جاء أحد منكم من الغائط " من الأدب البارع ما لا يخفى للمتدبر حيث كنى عن المراد بالمجئ من الغائط، والغائط هو المكان المنخفض من الأرض وكانوا يقصدونه لقضاء الحاجة ليتستروا به من الناس تأدبا، واستعمال الغائط في معناه المعروف اليوم استعمال مستحدث من قبيل الكنايات المبتذلة كما أن لفظ العذرة كذلك، والأصل في معناها عتبة الباب سميت بها لانهم كانوا يخلون ما اجتمع في كنيف البيت فيها على ما ذكره الجوهري في الصحاح.
ولم يقل: أو جئتم من الغائط لما فيه من تعيين المنسوب إليه، وكذا لم يقل: أو جاء أحدكم من الغائط لما فيه من الإضافة التي فيها شوب التعيين بل بالغ في الابهام فقال:
" أو جاء أحد منكم من الغائط " رعاية لجانب الأدب.
ورابعا: أن قوله: " أو لامستم النساء " كسابقة شق من الشقوق المفروضة مستقل وحكمه في العطف والمعنى حكم سابقة، وهو كناية عن الجماع أدبا صونا للسان من التصريح بما تأبى الطباع عن التصريح به.
فإن قلت: لو كان كذلك كان التعبير بمثل ما عبر به عنه سابقا بقوله: " وإن كنتم جنبا " أولى لكونه أبلغ في رعاية الأدب.
قلت: نعم لكنه كان يفوت نكته مرعية في الكلام، وهى الدلالة على كون الامر مما يقتضيه الطبيعة كما تقدم بيانه، والتعبير بالجنابة فاقد للاشعار بهذه النكتة.