ولو تم لها إطلاق لدل على اشتراط كل صلاة بوضوء مع الغض عن قوله: " وإن كنتم جنبا فاطهروا " لكن الآيات المشرعة قلما يتم لها الاطلاق من جميع الجهات. على أنه يمكن أن يكون قوله الآتي: " ولكن يريد ليطهركم " مفسرا لهذا الاشتراط على ما سيجئ من الكلام. هذا هو المقدار الذي يمكن أن يبحث عنه في تفسير الآية، والزائد عليه مما أطنب فيه المفسرون بحث فقهي خارج عن صناعة التفسير.
قوله تعالى: " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " الغسل بفتح الغين إمرار الماء على الشئ، ويكون غالبا لغرض التنظيف وإزالة الوسخ والدرن والوجه ما يستقبلك من الشئ، وغلب في الجانب المقبل من رأس الانسان مثلا، وهو الجانب الذي فيه العين والأنف والفم، ويعين بالظهور عند المشافهة، وقد فسر في الروايات المنقولة عن أئمة أهل البيت صلى الله عليه وآله وسلم بما بين قصاص الشعر من الناصية وآخر الذقن طولا، وما دارت عليه الابهام والوسطى والسبابة وهناك تحديدات أخر ذكرها المفسرون والفقهاء.
والأيدي جمع يد وهى العضو الخاص الذي به القبض والبسط والبطش وغير ذلك، وهو ما بين المنكب وأطراف الأصابع، وإذ كانت العناية في الأعضاء بالمقاصد التي يقصدها الانسان منها كالقبض والبسط في اليد مثلا، وكان المعظم من مقاصد اليد تحصل بما دون المرفق إلى أطراف الأصابع سمى أيضا باليد، ولذلك بعينه ما سمى ما دون الزند إلى أطراف الأصابع فصار اللفظ بذلك مشتركا أو كالمشترك بين الكل والابعاض.
وهذا الاشتراك هو الموجب لذكر القرينة المعينة إذا أريد به أحد المعاني، ولذلك قيد تعالى قوله: " وأيديكم " بقوله: " إلى المرافق " ليتعين أن المراد غسل اليد التي تنتهى إلى المرافق، ثم القرينة أفادت أن المراد به القطعة من العضو التي فيها الكف، وكذا فسرتها السنة. والذي يفيده الاستعمال في لفظة " إلى " أنها لانتهاء الفعل الذي لا يخلو من امتداد الحركة، وأما دخول مدخول " إلى " في حكم ما قبله أو عدم دخوله فأمر خارج عن معنى الحرف، فشمول حكم الغسل للمرافق لا يستند إلى لفظه " إلى " بل إلى ما بينه السنة من الحكم.
وربما ذكر بعضهم أن " إلى " في الآية بمعنى مع كقوله تعالى: " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم " (النساء: 2) وقد استند في ذلك إلى ما ورد في الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم