وإذا كانوا يقولون مثل هذا القول بعد نزول الآية بحلية المحصنات من نساء أهل الكتاب فما الذي يمنعهم أن يسألوا قبل نزول الآية عن مؤاكلة أهل الكتاب، والاكل مما يؤخذ منهم من الحبوب، والأغذية المتخذة من ذلك كالخبز والهريسة وسائر الأغذية التي تتخذ من الحبوب وأمثالها إذا عملها أهل الكتاب، وهم على دين ونحن على دين، وقد حذر الله المؤمنين عن موادتهم وموالاتهم والاقتراب منهم، والركون إليهم في آيات كثيرة؟.
بل هذا الكلام مقلوب عليه في قوله: إن اللحم هو المظنة للتحريم والتحليل فكيف يسعهم أن يسألوا عنه وقد بين الله عامة محرمات اللحوم في آية الانعام: " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه " (الانعام: 145) ثم في آية النحل وهما مكيتان، ثم في آية البقرة وهى قبل المائدة نزولا، ثم في قوله: " حرمت عليكم الميتة " وهى قبل هذه الآية؟. والآية على قول هذا القائل نص أو كالنص في عدم تحريم ذبائحهم، فكيف صح لهؤلاء أن يسألوا عن حلية ذبائح أهل الكتاب وقد نزلت الآيات مكيتها ومدنيتها مرة بعد أخرى في أمرها ودلت على حليتها، واستقر العمل على حفظها وتلاوتها وتعلمها والعمل بها؟.
وأما قوله: إن آية الانعام نص في حصر المحرمات فيما ذكر فيها فحرمة غيرها كذبيحة أهل الكتاب يحتاج إلى دليل، فلا شك في احتياج كل حكم إلى دليل يقوم عليه، وهذا الكلام صريح منه في أن هذا الحصر إنما ينفع إذا لم يكن هناك دليل يقوم على تحريم أمر آخر وراء ما ذكر في الآية.
وعلى هذا فإن كان مراده بالدليل ما يشمل السنة فالقائل بتحريم ذبائح أهل الكتاب يستند في ذلك إلى ما ورد من الروايات في الآية وقد نقلنا بعضا منها فيما تقدم.
وإن أراد الدليل من الكتاب فمع أنه تحكم لا دليل عليه إذ السنة قرينة الكتاب لا يفترقان في الحجية يسأل عنه ما ذا يقول في ذبيحة الكفار غير أهل الكتاب كالوثنيين والماديين؟ أفيحرمها لكونها ميتة فاقدة للتذكية الشرعية؟ فما الفرق بين عدم التذكية بعدم الاستقبال وعدم ذكر الله عليه أصلا وبين التذكية التي هي غير التذكية الاسلامية وليس يرتضيها الله سبحانه وقد نسخها؟ فالجميع خبائث في نظر الدين، وقد حرم الله الخبائث، قال تعالى: ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث " (الأعراف: 157) وقد