والامر له لا شريك له وقبيل السعادة من الأعمال تنسب إليه بالهداية نسبة مستقيمة وقبيل الشقاوة منها كوسوسة الشيطان وتسليط الهوى على الانسان وتأمير الظالمين على الناس ونحو ذلك ينسب إليه تعالى بالاضلال والاخزاء والخذلان ونحوها نسبة غير مستقيمة وهي التي يعبر عنها بالاذن فيقال إنه تعالى اذن للشيطان أن ينزع بالوسوسة والتسويل ولم يمنع الانسان أن يتبع الهوى ولم يضرب بين الظالم وما يريده من الظلم بحجاب لان السعادة والشقاوة مبنيتان على الاختيار فمن سعد فباختياره ومن شقي فباختياره ولولا ذلك لم تتم الحجة ولم تجر سنة الاختيار والامتحان.
ولم يمنع هؤلاء الباحثين عن الاسترسال في هذه المباحث إلا استيحاشهم من وخيم نتائجها بزعمهم فأما المجبرة منهم فزعموا أن لو قالوا بارتباط الأشياء وضرورة تأثير الأسباب واعترفوا بذلك لزمهم الايجاب في جانب الصانع تعالى وسلب قدرته المطلقة على التصرف في مصنوعاته.
وأما غيرهم فزعموا أن لو أذعنوا بذلك في مرحلة الأعمال وأسندوها إلى إرادته وقدره تعالى لزمهم القول بالايجاب والاجبار في جانب المصنوع وهو الانسان وببطلان الاختيار يبطل الثواب والعقاب والتكليف والتشريع.
مع أنهم كان يسعهم أن يستأنسوا من غير استيحاش بكلامه تعالى حيث يقول:
والله غالب على أمره " يوسف - 21 ويقول " إلا له الخلق والامر " الأعراف - 54 ويقول: " لله ما في السماوات والأرض " يونس - 55 على أنها وما يماثلها آيات تعطي البرهان في ذلك وقد تقدمت نبذة من هذا البحث في الكلام على قوله تعالى إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا " البقرة - 26.
ولنرجع إلى ما كنا فيه من الكلام في قوله تعالى زين للناس حب الشهوات فنقول الظاهر أن فاعل زين غيره تعالى وهو الشيطان أو النفس أما أولا فلان المقام مقام ذم الكفار بركونهم إلى هذه المشتهيات من المال والأولاد واستغنائهم بتزينها لهم عن الله سبحانه والأليق بمثل هذه الزينة الصارفة عن الله الشاغلة عن ذكره أن لا ينسب إليه تعالى.
وأما ثانيا فلانه لو كان هذا هو التزيين المنسوب إليه تعالى لكان المراد به الميل