ووصف العمل بالرفع والصعود يقابل النزول كما أن الرفع يقابل الوضع وهما أعني الصعود والارتفاع وصفان يتصف بهما المتحرك من السفل إلى العلو بنسبته إلى الجانبين فهو صاعد بالنظر إلى قصده العلو واقترابه منه ومرتفع من جهة انفصاله من السفل وابتعاده منه فالعمل يبعد الانسان ويفصله من الدنيا والاخلاد إلى الأرض بصرف نفسه عن التعلق بزخارفها الشاغلة والتشتت والتفرق بهذه المعلومات الفانية غير الباقية وكلما زاد الرفع والارتفاع زاد صعود الكلم الطيب وخلصت المعرفة عن شوائب الأوهام وقذارات الشكوك ومن المعلوم أيضا كما مر أن العمل الصالح ذو مراتب ودرجات فلكل درجة من العمل الصالح رفع الكلم الطيب وتوليد العلوم والمعارف الحقة الإلهية على ما يناسب حالها والكلام في العمل الطالح ووضعه الانسان نظير الكلام في العمل الصالح ورفعه وقد مر بعض الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى: " اهدنا الصراط المستقيم " الحمد - 6.
فظهر أن للناس بحسب مراتب قربهم وبعدهم منه تعالى مراتب مختلفة من العمل والعلم ولازمه أن يكون ما يتلقاه أهل واحدة من المراتب والدرجات غير ما يتلقاه أهل المرتبة والدرجة الأخرى التي فوق هذه أو تحتها فقد تبين أن للقرآن معاني مختلفة مترتبة.
وقد ذكر الله سبحانه أصنافا من عباده وخص كل صنف بنوع من العلم والمعرفة لا يوجد في الصنف الآخر كالمخلصين وخص بهم العلم بأوصاف ربهم حق العلم قال تعالى سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين " الصافات - 160 وخص بهم أشياء أخر من المعرفة والعلم سيجئ بيانها انشاء الله تعالى وكالموقنين وخص بهم مشاهدة ملكوت السماوات والأرض قال تعالى: " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين: " الانعام - 75 وكالمنيبين وخص بهم التذكر قال تعالى " وما يتذكر إلا من ينيب " المؤمن - 13 وكالعالمين وخص بهم عقل أمثال القرآن قال تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون " العنكبوت - 43 وكأنهم اولوا الألباب والمتدبرون لقوله تعالى " أ فلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " محمد صلى الله عليه وآله وسلم - 24 ولقوله تعالى " أ فلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " النساء - 82 فإن مؤدى الآيات