بالورود عليه والصدور منه وليس هذا المس إلا نيل الفهم والعلم ومن المعلوم أيضا أن الكتاب المكنون هذا هو أم الكتاب المدلول عليه بقوله يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وهو المذكور في قوله وإنه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم.
وهؤلاء قوم نزلت الطهارة في قلوبهم وليس ينزلها إلا الله سبحانه فإنه تعالى لم يذكرها إلا كذلك أي منسوبة إلى نفسه كقوله تعالى إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " الأحزاب - 33 وقوله تعالى ولكن يريد ليطهركم " المائدة - 6 وما في القرآن شئ من الطهارة المعنوية إلا منسوبة إلى الله أو بإذنه وليست الطهارة إلا زوال الرجس من القلب وليس القلب من الانسان إلا ما يدرك به ويريد به فطهارة القلب طهارة نفس الانسان في اعتقادها وإرادتها وزوال الرجس عن هاتين الجهتين ويرجع إلى ثبات القلب فيما اعتقده من المعارف الحقة من غير ميلان إلى الشك ونوسان بين الحق والباطل وثباته على لوازم ما علمه من الحق من غير تمائل إلى اتباع الهوى ونقض ميثاق العلم وهذا هو الرسوخ في العلم فإن الله سبحانه ما وصف الراسخين في العلم إلا بأنهم مهديون ثابتون على ما علموا غير زائغة قلوبهم إلى ابتغاء الفتنة فقد ظهر أن هؤلاء المطهرين راسخون في العلم هذا.
ولكن ينبغي أن لا تشتبه النتيجة التي ينتجها هذا البيان فإن المقدار الثابت بذلك أن المطهرين يعلمون التأويل ولازم تطهيرهم أن يكونوا راسخين في علومهم لما أن تطهير قلوبهم منسوب إلى الله وهو تعالى سبب غير مغلوب لا أن الراسخين في العلم يعلمونه بما أنهم راسخون في العلم أي إن الرسوخ في العلم سبب للعلم بالتأويل فإن الآية لا تثبت ذلك بل ربما لاح من سياقها جهلهم بالتأويل حيث قال تعالى يقولون آمنا به كل من عند ربنا الآية وقد وصف الله تعالى رجالا من أهل الكتاب برسوخ العلم ومدحهم بذلك وشكرهم على الايمان والعمل الصالح في قوله لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما انزل إليك وما انزل من قبلك الآية " النساء - 162 ولم يثبت مع ذلك كونهم عالمين بتأويل الكتاب.
وكذلك إن الآية أعني قوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون لم تثبت للمطهرين إلا مس الكتاب في الجملة وأما أنهم يعلمون كل التأويل ولا يجهلون شيئا منه ولا في وقت فهي ساكتة عن ذلك ولو ثبت لثبت بدليل منفصل