درجات العمل قوله والله بصير بما يعملون ونظير الآية قوله تعالى ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون " الأحقاف - 19 وقوله تعالى: " ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون " الانعام - 132 والآيات في هذا المعنى كثيرة وفيها ما يدل على أن درجات الجنة ودركات النار بحسب مراتب الأعمال ودرجاتها.
ومن المعلوم أن العمل من أي نوع كان هو من رشحات العلم يترشح من اعتقاد قلبي يناسبه وقد استدل تعالى على كفر اليهود وعلى فساد ضمير المشركين وعلى نفاق المنافقين من المسلمين وعلى إيمان عدة من الأنبياء والمؤمنين بأعمالهم وأفعالهم في آيات كثيرة جدا يطول ذكرها فالعمل كيف كان يلازم ما يناسبه من العلم ويدل عليه.
وبالعكس يستلزم كل نوع من العمل ما يناسبه من العلم ويحصله ويركزه في النفس كما قال تعالى: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " العنكبوت - 69 وقال تعالى: " واعبد ربك حتى يأتيك اليقين " الحجر - 99 وقال أيضا: " ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون " الروم - 10 وقال: " فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون " البراءة - 77 والآيات في هذا المعنى أيضا كثيرة تدل الجميع على أن العمل صالحا كان أو طالحا يولد من أقسام المعارف والجهالات (وهي العلوم المخالفة للحق) ما يناسبه وقال تعالى وهو كالكلمة الجامعة في العمل الصالح والعلم النافع " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " الفاطر - 10 فبين أن شأن الكلم الطيب وهو الاعتقاد الحق أن يصعد إلى الله تعالى ويقرب صاحبه منه وشأن العمل الصالح أن يرفع هذا العلم والاعتقاد ومن المعلوم أن ارتفاع العلم في صعوده إنما هو بخلوصه من الشك والريب وكمال توجه النفس إليه وعدم تقسيم القلب فيه وفي غيره (وهو مطلق الشرك) فكلما كمل خلوصه من الشك والخطوات اشتد صعوده وارتفاعه.
ولفظ الآية لا يخلو عن دلالة على ذلك فإنها عبرت في الكلم الطيب بالصعود