وهذا المعنى أعني اختلاف الافهام وعموم أمر الهداية مع ما عرفت من وجود التأويل للقرآن هو الموجب أن يساق البيانات مساق الأمثال وهو أن يتخذ ما يعرفه الانسان ويعهده ذهنه من المعاني فيبين به ما لا يعرفه لمناسبة ما بينهما نظير توزين المتاع بالمثاقيل ولا مسانخة بينهما في شكل أو صورة أو حجم أو نوع إلا ما بينهما من المناسبة وزنا.
والآيات القرآنية المذكورة سابقا كقوله تعالى: " إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم " الزخرف - 4 وما يشابهه من الآيات وإن بينت هذا الامر بطريق الإشارة والكناية لكن القرآن لم يكتف بذلك دون أن بينه بما ضربه مثلا في أمر الحق والباطل فقال تعالى: أنزل من السماء ماءا فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال " الرعد - 17 فبين أن حكم المثل جار في أفعاله تعالى كما هو جار في أقواله ففعله تعالى كقوله الحق إنما قصد منهما الحق الذي يحويانه ويصاحب كلا منهما أمور غير مقصودة ولا نافعة يعلوهما ويربوهما لكنها ستزول وتبطل ويبقى الحق الذي ينفع الناس وإنما يزول ويزهق بحق آخر هو مثله وهذا كالآية المتشابهة تتضمن من المعنى حقا مقصودا ويصاحبه ويعلو عليه بالاستباق إلى الذهن معنى آخر باطل غير مقصود لكنه سيزول بحق آخر يظهر الحق الأول على الباطل الذي كان يعلوه ليحق الحق بكلماته ويبطل الباطل ولو كره المجرمون والكلام في انطباق هذا المثل على أفعاله الخارجية المتقررة في عالم الكون كالكلام في أقواله عز من قائل.
وبالجملة المتحصل من الآية الشريفة أن المعارف الحقة الإلهية كالماء الذي أنزله الله تعالى من السماء هي في نفسها ماء فحسب من غير تقييد بكمية ولا كيفية ثم إنها كالسيل السائل في الأودية تتقدر بأقدار مختلفة من حيث السعة والضيق وهذه الاقدار أمور ثابتة كل في محله كالحال في أصول المعارف والاحكام التشريعية ومصالح الاحكام التي ذكرنا فيما مر أنها روابط تربط الاحكام بالمعارف الحقة وهذا حكمها في نفسها مع قطع النظر عن البيان اللفظي وهي في مسيرها ربما صحبت ما هو