حنيفا متلبسا باسم الاسلام الذي أسسه وهو أصل اليهودية والنصرانية دون نفسهما والأصل لا ينسب إلى فرعه بل ينبغي أن يعطف الفرع عليه.
وتسمية إبراهيم مسلما لا يهوديا ولا نصرانيا غير عده تابعا لدين النبي وشريعة القرآن ليرد الاشكال بأنه كما كان متقدما على نزول التوراة والإنجيل فلا ينبغي أن يعد يهوديا أو نصرانيا كذلك كان متقدما على نزول القرآن وظهور الاسلام فلا ينبغي أن يعد مسلما (حذو النعل بالنعل).
وذلك أن الاسلام بمعنى شريعة القرآن من الاصطلاحات الحادثة بعد نزول القرآن وانتشار صيت الدين المحمدي والاسلام الذي وصف به إبراهيم هو أصل التسليم لله سبحانه والخضوع لمقام ربوبيته فالاشكال غير متوجه من أصله.
ولعل هذا الذي ذكرناه من وجه جهلهم بمعنى الدين الأصيل وكونه حقيقة ذات مراتب مختلفة ومتدرجة في الاستكمال هو المراد بقوله تعالى والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا الخ ويؤيده قوله إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه الآية وقوله تعالى في ذيل الآيات " قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما انزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه الآية: آل عمران - 85 على ما سيجئ من البيان.
قوله تعالى ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا إلى آخر الآية قد مر تفسيره فيما مر وقد قيل إن اليهود والنصارى كما كانوا يدعون أن إبراهيم عليه السلام منهم وعلى دينهم كذلك عرب الجاهلية من الوثنية كانت تدعي أنهم على الدين الحنيف دين إبراهيم عليه السلام حتى كان أهل الكتاب يسمونهم الحنفاء ويدعون بالحنيفية الوثنية.
ولما وصف الله سبحانه إبراهيم عليه السلام بقوله ولكن كان حنيفا وجب بيانه حتى لا يتوهم منه الوثنية فلذلك أردفه بقوله مسلما وما كان من المشركين أي كان على الدين المرضي عند الله تعالى وهو الاسلام وما كان من المشركين كعرب الجاهلية.
قوله تعالى إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا الآية في موضع التعليل للكلام السابق وبيان للحق في المقام والمعنى والله العالم