وبذلك يتأيد ما ورد في سبب النزول عن أئمة أهل البيت أن هذه كلمة قالتها اليهود حين تغيير القبلة حيث صلى رسول الله صلاة الصبح إلى بيت المقدس وهو قبلة اليهود ثم حولت القبلة في صلاة الظهر نحو الكعبة فقالت طائفة من اليهود آمنوا بما أنزل على الذين آمنوا وجه النهار يريدون استقبال بيت المقدس واكفروا آخره يريدون استقبال الكعبة ويؤيده قولهم بعده على ما حكاه الله ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أي لا تثقوا بمن لا يتبع دينكم بالايمان به فتفشوا عنده شيئا من أسراركم والبشارات التي عندكم وكان من علائم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يحول القبلة إلى الكعبة.
وذكر بعضهم أن قوله وجه النهار متعلق بقوله آمنوا (بصيغة الامر) والمراد به أول النهار وقوله آخره ظرف بتقدير في ومتعلق بقوله واكفروا والمراد بقولهم آمنوا بالذي أنزل إلخ أن يظهر عدة منهم الايمان بالقرآن ويلحقوا بجماعة المؤمنين ثم يرتدوا في آخر النهار بإظهار أنهم انما آمنوا أول النهار لما كاد يلوح لهم من إمارات الصدق والحق من ظاهر الدعوة الاسلامية وإنما ارتدوا آخر النهار لما تبين لهم من شواهد البطلان وعدم انطباق ما عندهم من بشارات النبوة وعلائم الحقانية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون ذلك مكيدة تكاد بها المؤمنون فيرتابون في دينهم ويهنون في عزيمتهم فينكسر بذلك سورتهم وتبطل أحدوثتهم وهذا المعنى في نفسه غير بعيد وخاصة من اليهود الذين لم يألوا جهدا في الكرة على الاسلام لاطفاء نوره من أي طريق ممكن غير أن لفظ الآية لا ينطبق عليه وسيأتي للكلام تتمة نتعرض لها في البحث الروائي التالي إنشاء الله العزيز.
وقال بعضهم: إن المراد آمنوا بصلاتكم إلى الكعبة أول النهار واكفروا به آخره لعلهم يرجعون وقال آخرون: المعنى أظهروا الايمان في صدر النهار بما أقررتم به من صفة النبي صلى الله عليه وآله واكفروا آخره بإبداء أن ما وصف به النبي الموعود لا ينطبق عليه لعلهم يرتابون بذلك فيرجعوا عن دينهم وهذان الوجهان لا شاهد عليهما وكيف كان المراد لا إجمال في الآية.
قوله تعالى: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم إلخ الذي يعطيه السياق هو أن تكون هذه الجملة من قول أهل الكتاب تتمة لقولهم: آمنوا بالذي أنزل على الذين