أن هذا النبي المعظم إبراهيم لو أخذت النسبة بينه وبين من بعده من المنتحلين وغيرهم لكان الحق أن لا يعد تابعا لمن بعده بل يعتبر الأولوية به والأقربية منه والأقرب من النبي الذي له شرع وكتاب هم الذين يشاركونه في اتباع الحق والتلبس بالدين الذي جاء به والأولى بهذا المعنى بإبراهيم عليه السلام هذا النبي والذين آمنوا لانهم على الاسلام الذي اصطفى الله به إبراهيم وكذا كل من اتبعه دون من يكفر بآيات الله ويلبس الحق بالباطل.
وفي قوله للذين اتبعوه تعريض لأهل الكتاب من اليهود والنصارى بنحو الكناية أي لستم أولى بإبراهيم لعدم اتباعكم إياه في إسلامه لله.
وفي قوله وهذا النبي والذين آمنوا إفراد للنبي عليه السلام ومن اتبعه من المؤمنين من الذين اتبعوا إبراهيم اجلالا للنبي وصونا لمقامه أن يطلق عليه الاتباع كما يستشعر ذلك مثل قوله تعالى " أولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده: الانعام - 90 حيث لم يقل فبهم اقتده.
وقد تمم التعليل والبيان بقوله والله ولي المؤمنين فإن ولاية إبراهيم (ولى الله) من ولاية الله والله ولي المؤمنين دون غيرهم الكافرين بآياته اللابسين الحق بالباطل.
قوله تعالى ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون الطائفة الجماعة من الناس وكأن الأصل فيه أن الناس وخاصه العرب كانوا أولا يعيشون شعوبا وقبائل بدويين يطوفون صيفا وشتاءا بماشيتهم في طلب الماء والكلاء وكانوا يطوفون وهم جماعة تحذرا من الغيلة والغارة فكان يقال لهم جماعة طائفة ثم اقتصر على ذكر الوصف (الطائفة) للدلالة على الجماعة.
وأما كون أهل الكتاب لا يضلون إلا أنفسهم فإن أول الفضائل الانسانية الميل إلى الحق واتباعه فحب صرف الناس عن الحق إلى الباطل من جهة أنه من أحوال النفس وأخلاقها رذيلة نفسانية وبئست الرذيلة وإثم من آثامها ومعاصيها وبغيها بغير حق وماذا بعد الحق إلا الضلال فحبهم لاضلال المؤمنين وهم على الحق إضلال بعينه لأنفسهم من حيث لا يشعرون.
وكذا لو تمكنوا من بعضهم بإلقاء الشبهات فأضلوه بذلك فإنما يضلون أولا أنفسهم