لان الانسان لا يفعل شيئا من خير أو شر إلا لنفسه كما قال تعالى من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد: حم السجدة - 46 وأما ضلال من ضل بإضلالهم فليس بتأثير منهم بل هو بسوء فعال الضال الغاوي وشامة إرادته بإذن من الله قال تعالى من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون: الروم - 44 وقال تعالى " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير وما أنتم بمعجزين في الأرض ومالكم من دون الله من ولى ولا نصير:
الشورى - 31 وقد مر شطر من الكلام في خواص الأعمال في الكلام على قوله تعالى حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة: البقرة - 217 في الجزء الثاني من الكتاب.
وهذا الذي ذكرناه من المعارف القرآنية التي يفيدها التوحيد الافعالي الذي يتفرع على شمول حكم الربوبية والملك وبه يوجه ما يفيده قوله تعالى وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون من الحصر. وأما ما ذكره المفسرون من التوجيه لمعنى الآية فلا يغني في الحصر المذكور طائلا ولذلك أغمضنا عن نقله.
قوله تعالى يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون قد مر أن الكفر بآيات الله غير الكفر بالله تعالى وأن الكفر بالله هو الالتزام بنفي التوحيد صريحا كالوثنية والدهرية والكفر بآيات الله إنكار شئ من المعارف الإلهية بعد ورود البيان ووضوح الحق وأهل الكتاب لا ينكرون أن للعالم إلها واحدا وإنما ينكرون أمورا من الحقائق بينتها لهم الكتب السماوية المنزلة عليهم وعلى غيرهم كنبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكون عيسى عبدا لله ورسولا منه وأن إبراهيم ليس بيهودي ولا نصراني وأن يد الله مبسوطة وأن الله غنى إلى غير ذلك فأهل الكتاب في لسان القرآن كافرون بآيات الله غير كافرين بالله ولا ينافيه قوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب: التوبة - 29 حيث نفى الايمان عنهم صريحا وليس الا الكفر وذلك أن ذكر عدم تحريمهم للحرام وعدم تدينهم بدين الحق في الآية يشهد بأن المراد من توصيفهم بعدم الايمان هو التوصيف بلازم الحال فلازم حالهم من الكفر بآيات الله عدم الايمان بالله واليوم الآخر وإن لم يشعروا به وليس بالكفر الصريح.