ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف - 9، وأظهر منه قوله تعالى:
(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) الأنبياء - 105، وأصرح منه قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا، النور - 55، فقوله تعالى:
يعبدونني يعني به عبادة الاخلاص بحقيقة الايمان بقرينة قوله تعالى: لا يشركون بي شيئا، مع أنه تعالى يعد بعض الايمان شركا، قال تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) يوسف - 106، فهذا ما وعده تعالى من تصفية الأرض وتخليتها للمؤمنين يوم لا يعبد فيه غير الله حقا.
وربما يتوهم المتوهم: أن ذلك وعد بنصر إلهي بمصلح غيبي من غير توسل بالأسباب الظاهرة لكن ينافيه قوله: ليستخلفنهم في الأرض، فإن الاستخلاف إنما هو بذهاب بعض وإزالتهم عن مكانهم ووضع آخرين مقامهم ففيه ايماء إلى القتال.
على أن قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذله على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) المائدة - 54، - على ما سيجئ في محله - يشير إلى دعوة حقة، ونهضة دينية ستقع عن أمر إلهي ويؤيد أن هذه الواقعة الموعودة انما تقع عن دعوة جهاد.
وبما مر من البيان يظهر الجواب عما ربما يورد على الاسلام في تشريعه الجهاد بأنه خروج عن طور النهضات الدينية المأثورة عن الأنبياء السالفين فان دينهم إنما كان يعتمد في سيره وتقدمه على الدعوة والهداية، دون الاكراه على الايمان بالقتال المستتبع للقتل والسبي والغارات، ولذلك ربما سماه بعضهم كالمبلغين من النصارى بدين السيف والدم وآخرون بدين الاجبار والاكراه!.
وذلك أن القرآن يبين أن الاسلام مبني على قضاء الفطرة الانسانية التي لا ينبغي أن يرتاب أن كمال الانسان في حياته هو ما قضت به وحكمت ودعت إليه، وهي تقضى بأن التوحيد هو الأساس الذي يجب بناء القوانين الفردية والاجتماعية عليه، وأن الدفاع