ربي لأكونن من القوم الضالين أي ناسيا للميثاق.
أقول: قوله: لم يكونوا على هدى كانوا على فطرة الله، يفسر معنى كونهم ضلالا المذكور في أول الحديث، وأنهم إنما خلوا عن الهداية التفصيلية إلى المعارف الإلهية، واما الهداية الاجمالية فهي تجامع الضلال بمعنى الجهل بالتفاصيل كما يشير إليه قوله عليه السلام في رواية المجمع المنقولة آنفا: على فطرة الله لا مهتدين ولا ضلالا.
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أي ناسيا للميثاق، تفسير للضلال فالهداية هي ذكر الميثاق حقيقة كما في الكمل من المؤمنين أو الجري على حال من هو ذاكر للميثاق وإن لم يكن ذاكرا له حقيقة وهو حال ساير المؤمنين ولا يخلو إطلاق الهداية عليه من عناية.
وفي التوحيد عن هشام بن الحكم قال: سأل الزنديق الذي أتى أبا عبد الله فقال:
من أين أثبت أنبياء ورسلا؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: إنا لما أثبتنا: ان لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيما لم يجز ان يشاهده خلقه، ولا يلامسوه، ولا يباشرهم ولا يباشروه ويحاجهم ويحاجوه، فثبت ان له سفراء في خلقه يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما فيه بقائهم، وفي تركه فنائهم، فثبت الآمرون الناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أن له معبرين وهم الأنبياء وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبون بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس في أحوالهم، على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد، من احياء الموتى، وابراء الاكمه والأبرص فلا يخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته.
أقول: والحديث كما ترى مشتمل على حجج ثلث في مسائل ثلث من النبوة.
إحداها: الحجة على النبوة العامة وبالتأمل فيما ذكره صلى الله عليه وآله وسلم تجد أنه منطبق على ما استفدنا من قوله تعالى: كان الناس أمة واحدة الآية.
وثانيتها: الحجة على لزوم تأييد النبي بالمعجزة، وما ذكره عليه السلام منطبق على ما ذكرناه في البحث عن الاعجاز في بيان قوله تعالى: " وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله " البقرة - 23.