قضاء القرآن بختم النبوة وعدم نسخ الدين وثبات الشريعة يستوجب أن الاستكمال الفردي والاجتماعي للانسان هو هذا المقدار الذي اعتبره القرآن في بيانه وتشريعه.
وهذا من ملاحم القرآن التي صدقها جريان تاريخ الانسان منذ نزول القرآن إلى يومنا هذا في زمان يقارب أربعة عشر قرنا تقدم فيها النوع في الجهات الطبيعي من اجتماعه تقدما باهرا، وقطع بعدا شاسعا غير أنه وقف من جهة معارفه الحقيقية، وأخلاقه الفاضلة موقفة الذي كان عليه، ولم يتقدم حتى قدما واحدا، أو رجع اقداما خلفه القهقري، فلم يتكامل في مجموع كماله من حيث المجموع أعني الكمال الروحي والجسمي معا.
وقد اشتبه الامر على من يقول: إن جعل القوانين العامة لما كان لصلاح حال البشر وإصلاح شأنه وجب أن تتبدل بتبدل الاجتماعيات في نفسها وارتقائها وصعودها مدارج الكمال، ولا شك أن النسبة بيننا وبين عصر نزول القرآن، وتشريع قوانين الاسلام أعظم بكثير من النسبة بين ذلك العصر وعصر بعثة عيسى عليه السلام وموسى عليه السلام فكان تفاوت النسبة بين هذا العصر وعصر النبي موجبا لنسخ شرائع الاسلام ووضع قوانين أخر قابلة الانطباق على مقتضيات العصر الحاضر.
والجواب عنه: أن الدين كما مر لم يعتبر في تشريعه مجرد الكمال المادي الطبيعي للانسان، بل اعتبر حقيقة الوجود الانساني، وبني أساسه على الكمال الروحي والجسمي معا، وابتغى السعادة المادية والمعنوية جميعا، ولازم ذلك أن يعتبر فيه حال الفرد الاجتماعي المتكامل بالتكامل الديني دون الفرد الاجتماعي المتكامل بالصنعة والسياسة، وقد اختلط الامر على هؤلاء الباحثين فإنهم لولوعهم في الأبحاث الاجتماعية المادية (والمادة متحولة متكاملة كالاجتماع المبني عليها) حسبوا أن الاجتماع الذي اعتبره الدين نظير الاجتماع الذي اعتبروه اجتماع مادي جسماني، فحكموا عليه بالتغير والنسخ حسب تحول الاجتماع المادي، وقد عرفت أن الدين لا يبني تشريعه على أساس الجسم فقط، بل الجسم والروح جميعا، وعلى هذا يجب أن يفرض فرد ديني أو اجتماع ديني جامع للتربية الدينية والحياة المادية التي سمحت به دنيا اليوم ثم لينظر هل يوجد عنده شئ من النقص المفتقر إلى التتميم، والوهن المحتاج إلى التقوية؟.
وسابعا: أن الأنبياء عليهم السلام معصومون عن الخطاء.