مستعص لربك المولي للنعم كلها. وكل عاص حقيق بأن يسترد منه النعم، وينتقم منه، ولذلك عقبه بتخويفه وسوء عاقبته، ما يجره إليه من صيرورته قرينا للشيطان في اللعن والعذاب.
(قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا).
قابل استعطافه ولطفه في الإرشاد بالفظاظة 1 وغلظة العناد، فناداه باسمه ولم يقابل ب (يا بني) وأخره وقدم الخبر على المبتدأ، وصدره بهمزة الإنكار على ضرب من التعجب، ثم هدده بالرجم بلسانه، أو الحجارة وأمره بالذهاب عنه زمانا طويلا.
(قال سلام عليك). توديع، ومتاركة، ومقابلة للسيئة بالحسنة، أي: لا أصيبك بمكروه، ولا أقول لك بعد ما يؤذيك (سأستغفر لك ربي) لعله يوفقك للتوبة والأيمان (إنه كان بي حفيا): بليغا في البر والأعطاف.
(وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) بالمهاجرة بديني (وأدعوا ربي): وأعبده وحده (عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا): خائبا ضائع السعي مثلكم في دعاء آلهتكم.
وفي تصدير الكلام ب (عسى) التواضع، وهضم النفس، والتنبيه على أن الإجابة والإثابة تفضل غير واجب، وأن ملاك الأمر خاتمته، وهو غيب.
(فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله) بالهجرة إلى الشام (وهبنا له إسحق ويعقوب) بدل من فارقهم من الكفرة (وكلا جعلنا نبيا).
(ووهبنا لهم من رحمتنا): كل خير ديني ودنيوي (وجعلنا لهم لسان صدق): ذكر جميل وثناء حسن (عليا): مرتفعا، فإن جميع أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه وعلى ذريته، ويفتخرون به. وهي إجابة لدعوته، حيث قال: " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " 2.