تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٣٦٦
وقد قيل ينبغي أن يجعل الإنسان عند ذكر محبوبه نفسه قلبا ويجعل قلبه أذنا ثم يسمع ذكره، كما قيل:
غنت فلم يبق في جارحة * إلا تمنيت أنها أذن وقد أحسن سيدي عمر بن الفارض في قوله:
إذا ما بدت ليلى فكلى أعين * وإن هي ناجتني فكلى مسامع (يا عارضا متلفعا ببروده * يختال بين بروقه ورعوده) هو للبحتري في سورة البقرة عند قوله تعالى (ورعد وبرق) حيث لم يجمع الرعد والبرق أخذا بالأبلغ كما في قول البحتري، لأنهما لما كانا مصدرين في الأصل روعي حكم أصلهما بأن ترك جمعهما، شبه الشاعر السحاب لتكاثفه بمن لبس برودا كثيرة وأثبت البرود تخييلا والتلفع والاختيال ترشيحا، وبعده:
إن شئت عدت الأرض نجد عودة * فحللت بين عقيقه وزروده وبعده: لتجود في ربع بمنعرج اللوى * قفر تبدل وحشة من غيده (أتيما تجعلون إلى ندا * وما تيم لذي حسب نديد) في سورة البقرة عند قوله تعالى (فلا تجعلوا لله أندادا) والند هو المثل، ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوي سواء كان ضدا أو خلافا، وقيل الكفء، قال حسان:
أتهجوه ولست له بند * فشركما لخيركما الفداء أي لست له بكفء وقد روى ذلك، والجعل بمعنى التصيير القولي والاعتقادي من قبيل (وجعلوا الملائكة ومعنى إلى: منسوبا إلى، فهو حال من تيما، وقيل من ندا، وفيه أن هذا في حكم خبر المبتدأ فلا يكون ذا حاله، والنديد المثل: أي لا يصلحون مثلا لذي حسب فكيف لمثلي المشهور بالإحسان؟
(إذا ما استحين الماء يعرض نفسه * كرعن بسبت في إناء من الورد) في سورة البقرة عند قوله تعالى (إن الله لا يستحيى أن يضرب مثلا) والله تعالى ليس من شأنه الحياء لكن أستعير الحياء فيما يصح فيه: أي إن الله لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يستحى أن يتمثل به لحقارتها فعلى هذا يكون قوله (إن الله لا يستحيى) من قبيل التمثيل والمشاكلة، والضمير في استحين للنوق: أي يتركن. والسبت:
الجلود المدبوغة بالقرظ، والمراد هنا مشافرها للينها. الشاعر يصف كثرة مياه الأمطار في طريقه، وأنه أينما ذهب رأى الماء، فكأنه يعرض نفسه عليها فتكرع فيه بمشافرها كأنها السبت والأرض قد أنبتت الأزهار والأنوار، فكأنها لذلك إناء من الورد، وقريب منه ما أنشده المصنف شاهدا لتعدية الاستحياء بنفسه لامرأة دعته إلى النكاح وهى عند قبر زوجها:
فإن تسألاني عن هواي فإنني * مقيم بهذا القبر يا فتيان وإني لأستحييه والقبر بيننا * كما كنت أستحييه وهو يراني (ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى * وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدى) هو لطرفة بن العبد من قصيدته المشهورة التي أولها:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد * تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
(٣٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 ... » »»
الفهرست