وما احتوت عليه من الزقوم والضريع، والحميم والسلاسل والأغلال، إلى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال، ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه، والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبه ويرضاه، واجتناب ما ينهي عنه ويكرهه ويأباه، فمن تأمل الكتاب الكريم وأدار فكره فيه وجد من ذلك العجب العجاب، وكذلك السنة الصحيحة التي هي مفسرة ومبينة لمعاني الكتاب، وكذلك سير السلف الصالح، أهل العلم والإيمان من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، من تأملها علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخوف والخشية والإخبات، وأن ذلك هو الذي رقاهم إلى تلك الأحوال الشريفة والمقامات السنيات، من شدة الاجتهاد في الطاعات والانكفاف عن دقائق الأعمال المكروهات فضلا عن المحرمات، ولهذا قال بعض السلف: خوف الله تعالى حجب قلوب الخائفين عن زهرة الدنيا وعوارض الشبهات.
وقد ضمن الله سبحانه الجنة لمن خافه من أهل الإيمان، فقال تعالى:
(ولمن خاف مقام ربه جنتان) [الرحمن: 46].
قال مجاهد في هذه الآية: الله قائم على كل نفس بما كسبت، فمن أراد أن يعمل شيئا فخاف مقام ربه فله جنتان. وعنه أنه قال: هو الرجل يذنب فيذكر مقام الله فيدعه. وعنه قال: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر الله فيتركها.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وعد الله المؤمنين الذين خافوا مقامه وأدوا فرائضه الجنة.
وعن الحسن، قال: قالت الجنة: يا رب لمن خلقتني؟ قال: لمن يعبدني وهو يخافني.
وقال يزيد بن عبد الله بن الشخير: كنا نحدث أن صاحب النار الذي لا تمنعه مخافة الله من شئ خفي له.