والاحتساب لترحل عنك، وقد أبقت عليك أكثر مما سلبت منك، ولا تنسها عند رخائك، فإن تذكرك لها أوقات الرخاء يبعد السوء عن فعلك، وينفى القساوة عن قلبك ويوزعك حمد الله وتقواه.
* * * الفصل الثالث: قوله: " والزهد ثروة "، وهذا حق، لان الثروة ما استغنى به الانسان عن الناس، ولا غناء عنهم كالزهد في دنياهم، فالزهد على الحقيقة هو الغنى الأكبر.
وروى أن عليا (عليه السلام) قال لعمر بن الخطاب أول ما ولى الخلافة: إن سرك أن تلحق بصاحبيك فقصر الامل، وكل دون الشبع، وارقع القميص واخصف النعل، واستغن عن الناس بفقرك تلحق بهما.
وقف ملك على سقراط وهو في المشرفة قد أسند ظهره إلى جب كان يأوى إليه، فقال له: سل حاجتك، فقال: حاجتي أن تتنحى عنى، فقد منعني ظلك المرفق بالشمس، فسأله عن الجب، قال: آوى إليه قال: فإن انكسر الجب لم ينكسر المكان.
وكان يقال: الزهد في الدنيا هو الزهد في المحمدة والرياسة، لا في المطعم والمشرب، وعند العارفين: الزهد ترك كل شئ يشغلك عن الله.
وكان يقال العالم إذا لم يكن زاهدا لكان عقوبة لأهل زمانة، لأنهم يقولون: لولا أن علمه لم يصوب عنده الزهد لزهد، فهم يقتدون بزهده في الزهد.
الفصل الرابع قوله: " والورع جنة كان يقال: لا عصمة كعصمة الورع والعبادة، أما الورع فيعصمك من المعاصي، وأما العبادة فتعصمك من خصمك، فان عدوك لو رآك قائما تصلى وقد دخل ليقتلك لصد عنك وهابك.