وجاريته أن يقتلاه بحديد أو سم، وهو مع ذلك عاجز عن استدامة سلامة عقله من زوال، وسمعه من صمم، وبصره من عمى، ولسانه من خرس، وسائر جوارحه من زمانة، ونفسه من تلف، وماله من بوار، وحبيبه من فراق، وكل ذلك يشهد شهادة قطعية أنه فقير إلى ربه، ذليل في قبضته، محتاج إليه. لا يزال المرء بخير ما حاسب نفسه، وعمر آخرته بتخريب دنياه، وإذا اعترضته بحار المكاره، جعل معابرها الصبر والتأسي، ولم يغتر بتتابع النعم، وإبطاء حلول النقم، وأدام صحبة التقى، وفطم النفس عن الهوى، فإنما حياته كبضاعة ينفق من رأس المال منها، ولا يمكنه أن يزيد فيها، ومثل ذلك يوشك فناؤه وسرعة زواله.
وقال أبو العتاهية في ذكر الموت:
ستباشر الترباء خدك * وسيضحك الباكون بعدك (1) ولينزلن بك البلى * وليخلفن الموت عهدك وليفنينك مثل ما (2) * أفنى أباك بلى وجدك (3) لو قد رحلت عن القصور * وطيبها وسكنت لحدك (4) لم تنتفع إلا بفعل * صالح قد كان عندك