لا يقدر عليه إلا الافراد من الأولياء الأبرار. وقبض بعض الجبابرة على قوم صالحين، فحبسهم وقيدهم، فلما طال عليهم الامر زفر بعضهم زفرة شديدة، ودعا على ذلك الجبار، فقال له بعض أولاده - وكان أفضل أهل زمانه في العبادة. وكان مستجاب الدعوة:
لا تدع عليه فتخفف من عذابه، قالوا: يا فلان، ألا ترى ما بنا وبك! لا يأنف ربك لنا!
قال: إن لفلان مهبطا في النار لم يكن ليبلغه إلا بما ترون، وان لكم لمصعدا في الجنة لم تكونوا لتبلغوه إلا بما ترون. قالوا: فقد نال منا العذاب والحديد، فادع الله لنا أن يخلصنا وينقذنا مما نحن فيه، قال: إني لأظن أنى لو فعلت لفعل، ولكن والله لا أفعل حتى أموت هكذا، فألقى الله فأقول له: أي رب سل فلانا لم فعل بي هذا؟
ومن الناس من يجعل قوله عليه السلام: " وليس جزاء من سرك أن تسوءه "، كلمة مفردة مستقلة بنفسها، ليست من تمام الكلام الأول، والصحيح ما ذكرناه.
وسابع عشرها - ومن حقه أن يقدم ذكره قوله: " ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك "، هذا كما يقال في المثل: من شؤم الساحرة أنها أول ما تبدأ بأهلها، والمراد من هذه الكلمة النهى عن قطيعة الرحم وإقصاء الأهل وحرمانهم، وفى الخبر المرفوع: " صلوا أرحامكم ولو بالسلام "، الأصل:
واعلم يا بنى أن الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن أنت لم تأته أتاك.
ما أقبح الخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغنى!
إنما لك من دنياك، ما أصلحت به مثواك، وإن كنت جازعا على ما تفلت من يديك، فاجزع على كل ما لم يصل إليك.