حتى بلغ بها إلى السماء، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، فما عسى أن يبلغ قوة ألف رجل من قريش ليحتاج في مقاومتها وحربها إلى ألف ملك من ملائكة السماء مضافين إلى ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من بني آدم وجعل هؤلاء قوله تعالى: ﴿فاضربوا فوق الأعناق...﴾ (١) أمرا للمسلمين لا أمرا للملائكة.
ورووا في نصرة قولهم روايات، قالوا وإنما كان نزول الملائكة ليكثروا سواد المسلمين في أعين المشركين، فإنهم كانوا يرونهم في مبدأ الحال قليلين في أعينهم، كما قال تعالى: ﴿ويقللكم﴾ (2) ليطمع المشركون فيهم ويجترءوا على حربهم، فلما نشبت الحرب كثرهم الله تعالى بالملائكة في أعين المشركين ليفروا ولا يثبتوا. وأيضا فإن الملائكة نزلت وتصورت بصور البشر الذين يعرفهم المسلمون، وقالوا لهم ما جرت العادة أن يقال مثله من تثبيت القلوب يوم الحرب، نحو قولهم ليس المشركون بشئ، لا قوة عندهم، لا قلوب لهم، لو حملتم عليهم لهزمتموهم... وأمثال ذلك.
ولقائل أن يقول إذا كان قادرا على أن يقلل ثلاثمائة إنسان في أعين قريش حتى يظنوهم مائة، فهو قادر على أن يكثرهم في أعين قريش بعد التقاء حلقتي البطان، فيظنوهم الفين وأكثر من غير حاجة إلى إنزال الملائكة.
فان قلت لعل في إنزالهم لطفا للمكلفين قلت ولعل في محاربتهم لطفا للمكلفين، وأما أصحاب المعاني فإنهم لم يحملوا الكلام على ظاهره، ولهم في تأويله قول ليس هذا موضع ذكره: