وأعطى المتباينات لفظة (مقارن)، لان البينونة بإزاء المقارنة، وأعطى المتعاديات لفظة (مؤلف) لان الائتلاف بإزاء التعادي.
ثم عاد عليه السلام فعكس المعنى، فقال (مفرق بين متدانياتها)، فجعل الفساد بإزاء الكون، وهذا من دقيق حكمته عليه السلام، وذلك لان كل كائن فاسد، فلما أوضح ما أوضح في الكون والتركيب والإيجاد، أعقبه بذكر الفساد والعدم، فقال (مفرق بين متدانياتها)، وذلك لان كل جسم مركب من العناصر المختلفة الكيفيات المتضادة الطبائع، فإنه سيؤول إلى الانحلال والتفرق.
ثم قال (لا يشمل بحد)، وذلك لان الحد الشامل ما كان مركبا من جنس وفصل، والباري تعالى منزه عن ذلك، لأنه لو شمله الحد على هذا الوجه يكون مركبا، فلم يكن واجب الوجود، وقد ثبت انه واجب الوجود، ويجوز أن يعنى به انه ليس بذي نهاية، فتحويه الأقطار وتحده.
ثم قال (ولا يحسب بعد)، يحتمل أن يريد لا تحسب أزليته بعد، أي لا يقال له منذ وجد كذا وكذا، كما يقال للأشياء المتقاربة العهد، ويحتمل أن يريد به انه ليس مماثلا للأشياء فيدخل تحت العدد، كما تعد الجواهر، وكما تعد الأمور المحسوسة.
ثم قال (وإنما تحد الأدوات أنفسها وتشير الآلات إلى نظائرها)، هذا يؤكد معنى التفسير الثاني، وذلك لان الأدوات كالجوارح، إنما تحد وتقدر ما كان مثلها من ذوات المقادير، وكذلك إنما تشير الآلات - وهي الحواس - إلى ما كان نظيرا لها في الجسمية ولوازمها، والباري تعالى ليس بذي مقدار ولا جسم، ولا حال في جسم، فاستحال أن تحده الأدوات وتشير إليه الآلات.