عن الاخر، علمنا أنه لا قرين له سبحانه، لأنه لو قارن شيئا على حسب هذه المقارنة لاستحال انفكاكه عنه، فكان محتاجا في تحقق ذاته تعالى إليه، وكل محتاج ممكن، فواجب الوجود ممكن هذا محال.
ثم شرع في تفصيل المتضادات، فقال (ضاد النور بالظلمة)، وهما عرضان عند كثير من الناس، وفيهم من يجعل الظلمة عدمية.
قال (والوضوح بالبهمة) يعنى البياض والسواد.
قال (والجمود بالبلل)، يعنى اليبوسة والرطوبة.
قال (والحرور بالصرد) يعنى الحرارة والبرودة، والحرور ها هنا مفتوح الحاء، يقال انى لأجد لهذا الطعام حرورا وحرورة في فمي، أي حرارة، ويجوز أن يكون في الكلام مضاف محذوف، أي وحرارة الحرور بالصرد; والحرور ها هنا يكون الريح الحارة، وهي بالليل كالسموم بالنهار، والصرد البرد.
ثم قال وانه تعالى مؤلف بين هذه المتباعدات، المتعاديات: المتباينات، وليس المراد من تأليفه بينها جمعه إياها في مكان واحد، كيف وذلك مستحيل في نفسه، بل هو سبحانه مؤلف لها في الأجسام المركبة حتى خلع منها صوره مفردة، هي المزاج، الا ترى انه جمع الحار والبارد والرطب واليابس، فمزجه مزجا مخصوصا حتى انتزع منه طبيعة مفردة، ليست حارة مطلقة، ولا باردة مطلقة، ولا رطبة مطلقة، ولا يابسة مطلقة، وهي المزاج، وهو محدود عند الحكماء بأنه كيفية حاصلة من كيفيات متضادة، وهذا هو محصول كلامه عليه السلام بعينه.
والعجب من فصاحته في ضمن حكمته، كيف أعطى كل لفظة من هذه اللفظات ما يناسبها ويليق بها، فأعطى المتباعدات لفظة (مقرب); لان البعد بإزاء القرب،